علي عرمش شوكت
الأربعاء 10/2/ 2010
تجليات سياسة الادارة الامريكية في ازمة المجتثين
(2-2)علي عرمش شوكت
وعندما فتشت الادارة الامريكية في ارشيف تحالفاتها في المنطقة لم تعان الكثير في سبيل وجود الحليف العراقي المناسب للعمل ضد ايران ، فكان ملف تحالف النظام العراقي الامريكي ابان الحرب العراقية الايرانية على طاولة الرئيس في البيت الابيض ، وكان ذات لون مميز ، اذ انه ينطوي على المواصفات المطلوبة بالحليف الطيّع ، الذي يمكن الاعتماد عليه في الصراع مع ايران ، ومثل ما كان الملف جاهزاً كانت بقايا حزب البعث هي الاخرى مبعثرة في الجوار ، وانطلاقاً من توفر اهم المقدمات الضرورية لمثل هذا التوجه ، بدأت الادارة الامريكية بالتحرك ، وبدأت خطوتها الاولى باتجاه المحيط ، اي نحو من كانوا يشتركون بتحالفات مسلحة ميدانية مع البعثيين ، بغية اضعاف تلك البقايا البعثية من جهة ، واغرائها بوعد كسر قيد الاجتثاث عنها من جهة اخرى ، اسفر ذلك عن تشكيل ( الصحوات ) من هذه الاوساط غير البعثية ودمجها في العملية السياسية ، وهنا كان عزف واشنطن على هذا الوتر قد شنف آذان البعثيين وسيل لعابهم لهذه الطبخة الدسمة ، اذ ليس لحزب البعث هماً اكبر من الحصول على مواقع السلطة ، وعلى اثر ذلك توقفت اعمال البعثيين المسلحة عن استهداف القوات الامريكية ، وتحولت نحو صدور بنات وابناء الشعب العراقي ، ومؤسسات الدولة المدنية ، وبما ان السياسة تعبير عن المصالح فلا عقبات في طريق اللقاء بين من يبحث عن العودة الى السلطة وهوالمجتث دستورياً ، ولا امل في عودته للحياة السياسية في العراق ، وبين من يبحث عن حليف يواجه به النفوذ الايراني المتزايد في هذه البلاد الغنية التي ضحى في سبيل تشكيل حكومة حليفة له فيها بمئات الترليونات من الدولارات واكثر من اربعة الاف جندي من اجل ذلك .
ان ذلك استدراك سياسي من قبل الادارة الامريكية مع ( حلفاء التغيير ) في الوضع العراقي ، فمن هو المسؤول عن ذلك ؟ ، وكانت مظاهر التدخل الامريكي الاخيرة في ازمة المبعدين عن الاشتراك في الانتخابات ما هي الا واحدة من تجليات هذا التوجه الذي تتبعه الادارة الامريكية في بحثها عن حليف لن يتوانى عن ان يكون كماشة نار ضد عدوها النظام الايراني ، وكبديل عن حلفاء عملية التغيير ، الذين قد غسلت واشنطن يديها تماماً عما كانت تأمله منهم ، رغم تقديمها الكثير في سبيل اسقاط النظام الدكتاتوري ، الامر الذي اتاح لهم استلام السلطة في هذا البلد ، وعليه اخذت تعيد حساباتها ، ليس لتبدل البعثيين باحزاب الاسلام السياسي الشيعية ، حيث ان ذلك ليس من السهل تحقيقه في هذه المرحلة ، وانما لخلق توازن سياسي في تركيبة نظام الحكم ، يعينها على التقليل من النفوذ الايراني في اقل تقدير ، من هذه المنطلقات تسعى الولايات المتحدة الى تفكيك قرار اجتثاث البعث حيث اصبحت كما يبدو نادمة على اصداره ، ويظل محور هذا المسعى يدور حول ايجاد قوى سياسية حليفة ليست متدينة ، حتى وان كانت مطلوبة لعدالة شعبها كالبعثيين الصداميين القتلة ، بغية اثقال الكفة المقابلة لكفة احزاب الاسلام السياسي القريبة من ايران ، ومع ان حزب البعث كان يحسب على اليسار القومي ، الا ان الادراة الامريكية قد جربته في تحالف سابق اثناء حربه مع ايران ، فهو مستعد في الانتقال والتلوّن والدوران السريع من اليسار الى اليمين حتى التنكر عما يعلنه من مبادئ وشعارات قومية ، لاسيما اذا ما كان الوصول الى السلطة هو الثمن .
ومن دوافع الادارة الامريكية الاكثر من غيره لتثخين استمالتها لحزب البعث والاستفادة من استعدادته للتعاون معها ، هو آل اليه وضعه السياسي المتردي الذي يمر به حزب البعث ( الجناح الصدامي ) ، فهو غير موحد في قيادته وقواعده وحتى منهجه السياسي ، وتنتشر اجزاؤه في بلدان عديدة ، مما جعله خاضعاً لاكثر من جهاز مخابرات للدول المتواجد فيها ، ناهيك عن اجتثاثه دستورياً في العراق ، بمعنى انه في حالة تآكل ويمضي نحوالانقراض ، ومن البديهي ان يصل الى هذه الحال فلا يعيش حزب خارج مجتمعه وبلده ، وعليه يتركز مسعى الادارة الامريكية على التلويح له بوجبة السلطة التي هي محراب هذا الحزب وقبلته ، والتي تعجز البلدان الاخرى من تسهيل وصوله اليها طالما الوجود الامريكي في العراق ، الذي هو القادر الوحيد على تقديم مثل هذه الوعود بالعودة الى الحياة السياسية ، التي مازال يحلم قادة حزب البعث ويعيشون بعقلية الزمن الماضي ويعزّون انفسهم بخرافة القفز الى السلطة بواسطة الانقلاب العسكري ، دون ان يعلموا وتتجاهل معهم الادارة الامريكية ذات العقلية الاستعمارية التي لا تفهم حقيقة الشعوب التواقة الى الحرية والديمقراطية ، بان الشعب العراقي قد ذاق طعم الحرية والديمقراطية والتعددية بعد ان اكتوى بنارهم اربعة عقود من الزمن الرديء ، منذ ان نحروا ثورة 14 تموز 1958 الخالة في انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963 ، فلن يسمح الشعب العراقي المتحرر لأين كان بالمساس بمكتسباته الديمقراطية على علاتها قطعاً،
¤ تجليات سياسة الادارة الامريكية في ازمة المجتثين (1-2)