علي عرمش شوكت
الأحد 10/2/ 2008
الراصديوم الشهيد الشيوعي ... يوم الشهيد الوطني
علي عرمش شوكت
في يوم الرابع عشر من شهر شباط عام 1949 كنت مع والدتي وخالتي والدة الرفيق جبار موسى في منطقة (الارضروملي) في بغداد اي بالقرب من ساحة المتحف الحالية ، حيث كنا نزور والدي الراقد في مستشفى الكرخ للامراض الصدرية آنذاك وعندما توجهنا باتجاه المتحف شاهدنا جموع اهالي المحلة المذكورة يهرعون نحو الشارع الرئيسي وعند الاستفسار من الناس قال احد المارة (انهم يشنقون وطني) وهذا التعبير الدارج لدى الناس عن الشيوعيين ، وقال اخر (الظلم لو دام دمر) وقال ثالث (سيسحقهم الشعب قريبا) ويقصد الحكومة ، وكانت النسوة تبكي والرجال حانقون على الحكومة العميلة ، ولكن ما لفت انتباهي وانا طفل صغير ذلك المعتوه الذي كان يردد (هسه الضابط يشنق نوري سعيد !) وترسخت بذهني تلك العبارة الى ان جاءت ثورة الرابع عشر من تموز واستعدت كلمات ذلك المعتوه المتنبئ ، ولا اعلم كيف توافقت تلك الصدفة حينما كنت يوم الرابع عشر من شباط الاسود عام 1963 معتقلا في موقف سراي بغداد ادخلوا علينا مجموعة من المصابين بامراض عقلية وكان احدهم اسمه (حسوني) من اهالي الناصرية وعند دخوله القاعة توجه فورا الى منصة صغيرة وقال باعلى صوته (اللي كتلوا ابونا ما يدير عليهم الحول لا والله) اي لن تمضي على بقائهم سنة وسوف يسقطون ، فاراد احد المعتقلين العاديين ضربه ، الا ان عريف الشرطة (داخل) وكانت عيناه مغورقتين بالدمع زجر ذلك المعتقل الشرس واسمه (سرور الاسود) وكان يطلق عليه (شقاوة منطقة الميدان) ، هذه صورتان ناطقتان وان جاءت على افواه المجانين ، وهي من الذكريات المؤلمة .
وفي يوم الشهيد ، كل عام ولعنة التاريخ تلاحق القتلة والمستبدين والذين يلجؤون الى ابادة الاخر الذي يختلف معهم ، وعندما تحل هذه (اللعنة) على بعضهم يلقون اتعس مصيرمع الف لعنة ولعنة تلاحقهم ، بسواد وجوههم ومحو اسمائهم من ذاكرة شعبهم ،ترى كيف يذكرشعبنا ذلك العميل نوري سعيد ومن لف لفه باللعنات وبأس المصير ، كيف يذكرشعبنا وقواه الوطنية انقلابيي شباط الاسود عام 1963 ، بالخزي والعاروالسقوط الى الحضيض ؟ وكيف يذكر التاريخ وشعبنا بكل اطيافه نظام الفرعون صدام الذي وزع ظلمه عليهم بعدالة ، بقولهم (عساه رمادا في مهب الريح) ، ولكن في الجانب الاخر فانه يذكر الشهداء وفي مقدمتهم قادة الحزب الشيوعي العراقي الذين اعدمهم النظام الملكي العميل في 14 \ شباط 1949 وهم الرفاق الخالدون يوسف سلمان يوسف (فهد) مؤسس الحزب وحسين محمد الشبيبي (صارم) وزكي بسيم (حازم) عضوا المكتب السياسي آنذاك ، وشهداء وثبة 1948 وكذلك شهداء مجزرة سجن بغداد عام 1952 وشهداء مظاهرات عام 1956 ضد العدوان الثلاثي على الشقيقة مصر، ولا ينسى اول شهيد شيوعي ( شوئيل طويق ) الذي سقط في مظاهرة احتجاج على معاهدة 1930 امام باب السفارة البريطانية في بغداد عام 1946 ، وكذلك شهداء الحركة الوطنية والقومية في حركة البرزانيين في الثلاثينات وشهداء حركة مايس 1941 من الضباط الاحرار .
ومن شباط عام 1949 الى شباط 1963 كانت فترة زمنية حافلة بالنضالات والصراعات المريرة وقد سقطت فيها كوكبة من الشهداء الشيوعيين والوطنيين تتوجت بكوكبة اخرى في الانقلاب الفاشي في الثامن من شباط الاسود الذي راح ضحيته قادة الحزب الشيوعي العراقي وفي مقدمتهم سكرتير الحزب حسين احمد الرضي (سلام عادل) وكوكبة من قيادات الحزب وكوادره واعضائه واصدقائه ، ومن ذلك التاريخ وبمضي اربعة عقود عجاف لم ينسى شعب ثورة 14 تموز 1958 قائد الثورة الزعيم الشهيد الخالد عبد الكريم قاسم ورفاقه الابطال من الضباط الاحرار ، ولكن سفر الشيوعيين العراقيين الناصع خلف راية الكادحين وعموم الشغيلة الفكر واليد لم يتوقف ولم ينضب عطاؤه في سبيل وطن حر وشعب سعيد ، وكانت كواكب الشهداء تملأ الطريق ، وهنالك شهداء فترة حكم البعث الثانية والتي شكلت موجة التصفيات الثانية التي تلقاها الشيوعيون العراقيون ،على يد انقلابيي شباط الاسود عام 1963 ، وتبدأ من اواخر الستينيات مرورا بالسبعينيات ، ولايمكننا ان نوفي بذكر كافة الاسماء لكونها كثر ومواكبهم قد شكلت منها اول المقابر الجماعية نهدي ذكرها لمن يدعي ان تلك المقابر لانصاره وليس لغيرهم .
استشهد الرفيق هاشم شمسي الالوسي في قصر النهاية عام 1969 وهو يشتم جلاديه لاخر نفس، وكان معه الشهداء : سامي محمد علي ، شعبان كريم ، فائق الياس طلية ، رافع الكبسي ، احمد الحلاق ، كريم جبار ، معين النهر ، متي الهندو ، والمناضل الشجاع عزيز فعل الضمد ، وغيرهم ، وكانت مرحلة السبعينيات اكثرقساوة فقد اشتدت فاشية العفالقة ومضت بكل ما تملك من قوة لتصفية الشيوعيين ، بدأت بالشهداء : جواد عطية (ابو حازم) وكاظم الجاسم ، وعبد الامير سعيد ، وحميد عزيز ،وقد تم اغتيال عضو اللجنة المركزية الشهيد ستار خضير ، واعقبه اغتيال الشهيد البطل محمد الخضري ، وثم اغتيل ايضا عضواللجنة المركزية الشهيد شاكر محمود ، وتستمر حملة التصفيات حتى في ظل ما سمي بالجبهة الوطنية التقدمية حيث لم تمض عليها غير اربع سنوات حتى واصل الصداميون لعبة الموت والاعدامات ، ففي عام 1979 تم اعدام ثلاثين مناضلا شيوعيا بحجج وادعاءات مفتعلة ، ومنهم الشهداء ، لاعب كرة القدم بشار رشيد ، وسهيل شرهان ، وغيرهم ، وبعد خراب الجبهة ، تقدم كوكبة الشهداء الرفاق : العضو المرشح للجنة المركزية الشهيدة عائدة ياسين والشهداء الدكتور صباح الدرة والدكتور صفاء الحافظ ، وعضومحلية الثورة محمود مطر ، وعضوا منظمة الشعلة الشهيدان : قاسم موزان ، ومحمود عسكر ، والشهداء الابطال الشباب ، ابراهيم رشيد الاوسي ، وياسين رشيد الاوسي ، وخليل رشيد الاوسي ، وابنة عمهم التي كان عمرها خمسة عشر عاما ،والشهيد الاستاذ (حارث الدباغ)، و الشهيد المناضل الشجاع (عواد حريجة) الذي اعدم في سجن ابوغريب عام 1995 وهو يهتف بحياة الحزب الشيوعي ، وهنالك شهداء اخرون في المحافظات لم تحضرنا اسماؤهم للاسف الشديد .
كل هذا الثمن الغالي الذي قدمه الحزب الشيوعي العراقي ، شهداء من خيرة مناضليه وهم من كافة مكونات الشعب العراقي على طريق الحرية والعدالة وعليه يحق ان يسمى يوم الشهيد الشيوعي بيوم الشهيد الوطني ، وخير دليل على ذلك هو نضال الحزب الذي ليس من اجل فئة من فئات الشعب العراقي او طائفة معينة وانما في سبيل الشعب العراقي بعربه ، وكرده ، وتركمانه ، وكلدو آ شوريه ، وصابئته ، وازيديه ، وشبكه ، وحتى يهوده ان وجدوا ،وان اشتراك كل هذه الفئات في نضال الحزب يعني اول مايعنيه تعبيره عن همومها وتطلعاتها في حياة حرة وكريمة ،تلك التي تتجسد في مبادئه الديمقراطية التقدمية العلمانية ، الهادفة الى العدالة الاجتماعية والمساواة والتقدم الحضاري والانساني، وسعيا منه لتطبيق مشروعه السياسي الديمقراطي الوطني نحو بناء الدولة الديمقراطية المدنية بعراق فدرالية موحد ، ووطن حر وشعب سعيد .