علي عرمش شوكت
الجمعة 13/11/ 2009
الكتل الكبيرة .. تدحرج بآلية الديمقراطية نحو الدكتاتوريةعلي عرمش شوكت
دأبت الكتل السياسية الكبيرة على ممارسة الاستحواذ وبسط النفوذ وتكريس البقاء على راس السلطة ، وصنعت لقراراتها المجحفة بحق الاحزاب والاقليات القومية التي ليست لها مواقع قوية في الحكم غطاءاً قانونياً ، وبما انها مهيمنة على مجلس النواب فمن السهولة بمكان ان تصدر تشريعات تكرس بواسطتها تلك الهيمنة ، وقد اصابت الناس الصدمة تلو الصدمة من جراء التشريعات المتلاحقة المتخطية للمنطق وللقوانين ، المكرسة لمنح رموز الكتل الكبيرة ولممثليهم في البرلمان الامتيازات المادية والمعنوية من دون اية مسوغات دستورية ، واذا كان الفساد الاداري والمالي يحرم لكونه سرقة للمال العام ، فالامتيازات غير المعقولة التي تحصل عليها الكتل المتنفذة لا تشفع لها الاغطية التشريعية باخراجها عن دائرة الفساد .
ان احتكار السلطة والتمترس حول مراكز القرار الذي دأبت عليه الاحزاب الحاكمة ، ليس سوى فساد سياسي بامتياز ، الذي استشرى في معظم مفاصل الحكم ، والذي امست مناسيبه اعلى من هامة العملية السياسية ، وتجدر الاشارة الى ان كل سياق من هذه الاوجه الفاسدة يؤدي دوره الموكول اليه ، لإفراغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي ، بمعنى من المعان الغاء مبدأ تداول الحكم سلمياً ، الامر الذي ادى الى تصاعد حنق المواطنين وبخاصة الناخبين الذين اخذوا يتوعدون بعدم المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة ، وقد تجلى ذلك في ضعف التسجيل في سجل الناخبين ، ولسان حالهم يقول لا ضمان بعدم ترحيل اصواتنا بالغصب الى الكتل الكبيرة ، فهل يعقل ان نعطي اصوتنا الى احزاب تستسيغ سرقة ارادة الناس ؟ ، ان زعزعت الثقة بالعملية الانتخابية جاءت تحصيل حاصل على اثر اصدار قوانين تعسفية تشرع لمصادرة اصوات الناخبين لحساب الكتل الكبيرة .
ويبدو ان مواقع النفوذ والسلطة وما بينهما من امتيازات مطلقة ، قد شيدت حولها متاريس واسوار دفاعية لا يمكن الاقتراب منها ، حتى القوانين صارت تلوى اعناقها عندما تقف بوجه هذا الاستحواذ المنظم ، اما النقد في ظل ديمقراطيتنا الجميلة غدا يواجه باقامة الدعاوى القضائية ضد ممارسيه !! ، وامامنا مثل تلك ( النائبة ) التي راحت تقيم الدعوى على صحيفة ( المدى ) الغراء ، لكونها عكست الرأي العام العراقي الساخط على قرارات مجلس النواب بمنح اعضائه امتيازات فريدة من نوعها، هكذا يفهم بعض نواب شعبنا الديمقراطية التي يريد منها الا تسمح حتى بالنقد ، ليس هذا غريباً فالنائب المعين من قبل رئيس القائمة المغلقة لايعنيه الرأي العام ، فهو قد فهم انه جاء الى منصبه ليس بفضل اصوات الجماهير ، انما يرى عضويته في مجلس النواب ما هي الا مجرد وظيفة ومكاسب جاءته بفضل رئيس القائمة التي ينتمي اليها .
وليس المواطن الذي يتوعد بعدم الذهاب الى صنادق الاقتراع هو وحده المحبط ، انما ثمة ضمير جمعي للجماهير ماخوذاً بالخشية على مستقبل العملية السياسية التي اصبح فضاؤها ملبداً بغيوم الصراعات التناحرية ، ان مبعث هذا الوجل يأتي منعكساً عن السلوك الاناني المنقطع النظير لقيادات الكتل المتنفذة التي تمسك بعتلات قيادة الحكم ، فكيف تفسر حال مجلس النواب الذي فشل وخلال عشر جلسات ساخنة في التمكن من اقرار مجرد تعديلات في قانون للانتخابات التشريعية ، فلا حاجة الى اي تفسير لذلك لان الكتل الكبير لا تخفي مطامحها الخاصة التي تفضلها عادة على المصالح الوطنية العامة ، وفي مقدمتها بقاء ومستقبل الحياة السياسية الجديدة ، واعادة بناء الدولة الديمقراطية العراقية ، ومعالجة الاوضاع المعيشية لاوسع الجماهير .
لقد تم تأسيس النظام الجديد في العراق اثر الاحتلال على قاعدة مختلة ، اي توازن عرقي وطائفي لاينتسب الى طبع الشعب العراقي المتجانس قطعاً ، وجاءت العملية السياسية مشوشة بل معوقة بعاهة المحاصصة ، وهذا هو منبع ازمة الحكم التي تديم المحنة وتولد الكوارث التي لا تحمد عواقبها ، والحل لدى الجماهير العراقية المناضلة الثائرة ابداً على الدكتاتورية والرافضة للاستبداد والاستفراد بتقرير مصير الشعب والوطن .