علي عرمش شوكت
الأربعاء 15/3/ 2006
تشكيل الحكومة بين الاستحقاقين المطلق والنسبي
علي عرمش شوكت
تأزمت المشاعر وتألمت الضمائر لما آلت اليه مصائر شعبنا الصابر. وعليه يطرح سؤال تترامى ابعاده على مساحة الوطن كله، كما ينطوي على مختلف كلمات الاستفهام: لماذا، ومن، واين، وكيف، ومتى؟ بمعنى ادق، لماذا وصل الحال الى هذا الوضع الكارثي؟ ومن هو المسؤول عن ذلك؟ واين الحل؟ وكيف سيعالج الامر؟ ومتى تنتهي هذه الازمة؟ مع العديد من علامات الاستفهام والاستغراب الاخرى التي لا تفسير لها ولا اجابة عليها، ماعدا اعادة تجدد ذلك المشهد التراجيدي المهيمن على شاشة بانوراما الوضع المتفاقم سوءاً بعد سوء، في طول العراق وعرضه.
فكلما تقدمت العملية السياسية كانت ترافقها آمال ودعوات ينتظر منها ان تحول هذه النجاحات الى جسور للعبور نحو صوب الامان. ولكننا نجدها مقيدة ومستحوذ على فعلها لحسابات ضيقة لايربطها رابط مع المصالح الوطنية العليا لشعبنا "المفخخ"، اذا جاز التعبير، الذي لا يعرف احد متى ستفجّر قنابله الطائفية والعرقية والسياسية الموقوتة، مع وجود من يقبض بيده على "وسائل التفجير" ويحاول ان يستخدمها كأداة لمسك صولجان السلطة الذي بات عرضة للاستحواذ والمصادرة. و لكن عزاء المواطنين العراقيين في هذا المصاب كان هو بالعملية السياسية وتحديدا الانتخابات. وقد تجلى ذلك في الاندفاع والمجازفة، بالرغم من المخاطر الجدية، في المشاركة بالانتخابات أملا بان تأتي نتائجها بحل للازمة. ولكن جاءت النتائج ولم تبشر بحل، بل جرى كسابقاتها تقييد "استحقاقاتها". ونشير بهذا الصدد الى مسألة تشكيل الحكومة في ظل هذه الاوضاع المتأزمة العصيبة.
برز ملف تشكيل الحكومة كحلقة مركزية في العملية السياسية وبات محورا تدور حوله النشاطات واللقاءات والمناورات واوراق الضغط. الاّ ان مسألة "الاستحقاقات" الانتخابية والوطنية قد اخذت الصدارة، ودار الجدل حول من له الاولوية منها لكي يكون الاساس في تشكيل الحكومة. ففي ظل الاوضاع المفجرة والخطيرة يصبح من الواجب الوطني ان يؤخذ بالاستحقاق الاشمل المطلق وليس بالاستحقاق الاضيق النسبي. وبما ان الاستحقاق الوطني هو المطلق فانه يشمل كافة المواطنين، بمعنى ان لكل مواطن مهما كان شأنه الحق في المشاركة بتقرير مصير البلد. لكن من الصعب تأمين مشاركة كافة المواطنين العراقيين في هذا الامر، فلذا يمكن اختصار ذلك بمشاركة الكيانات السياسية والاجتماعية التي فازت بالانتخابات في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تحديدا، ورسم برنامجها. اما الاستحقاق الانتخابي، فهو نسبي، أي انه على قدر نسبة الاصوات التي حاز عليها كل كيان. وهذا ينبغي ان يحترم و يأخذ بقدر حجمه من عدد المقاعد الوزارية. وكذلك تطبيق ما نص عليه الدستور بان يكون نصيب رئاسة الوزارة من حصل على اكثرية الاصوات الانتخابية. و لايجوز رفع سقف الاستحقاق الانتخابي اكثر من هذا الحد في الظرف الراهن، مع كونه حقا دستوريا، بسبب عدم حصول اية كتلة على الاغلبية البرلمانية التي نص عليها الدستور، والتي من شأنها ان تطلق حد الاستحقاق الانتخابي. فلا يمكن لأي حزب او اية كتلة سياسية ان تتحمل المسؤولية بمفردها، فهي ملزمة باشراك اطراف اخرى، ليس على قاعدة التبعية وانما المساهمة الفعلية في عملية التخطيط والتنفيذ لبرنامج الحكومة المقبلة، وكذلك تحمل المسؤولية في محاربة الارهاب وتقريرمصير البلد. وهذا ما يبرره الاستحقاق الوطني.
وهناك ضرورة قصوى لاختزال جدلية توافق الكتل السياسية وتشكيل الحكومة، حيث يتوجب على الكيان الذي حاز على اكثرية المقاعد ان يكون مرنا ومبادرا الى تقديم ما يساعد على اقناع الكتل الاخرى في ان تشارك معه في الحكومة. وينطبق هذا حتى بالنسبة الى الامور العقدية، مثل الوزارات السيادية، وشخص رئيس الوزراء الذي ينبغي ان يحظى برضى كافة الاطراف من حيث الكفاءة والمصداقية. ومن دون ذلك سوف لن يتحقق الانسجام داخل التشكيلة الوزارية، ما يقود بالتالي الى ضعف مستوى التعاون، إن لم يكن فشل الحكومة في مهمتها. وهو ما يبرر التضحية بالادوار والمصالح الحزبية الضيقة ازاء مصلحة كل الشعب ومصالح الوطن العليا التي هي المفخرة وهي الامر المشرف.