علي عرمش شوكت
ثمار الانتخابات في خريف العملية السياسية
علي عرمش شوكت
صار مفهوماً لدى العراقيين معنى اشتداد وتيرة التجييش العرقي والطائفي، الذي تثيره الكتل المتنفذة في مناسبات معيّنة، حيث لا يعدو عن كونه مبشراً واستهلالاً لحملة انتخابية على الابواب. ولا يغرب عن بال احد، بان مثيري الصخب الطائفي هم ذاتهم نتاجه المخصص لهذه الغاية، واذا ما وجدوا انفسهم قد خف وزنهم، او اقتربت منهم رياح التغيير، هاجوا وماجوا وافتعلوا الازمات واثاروا النعرات الطائفية والقومية، لكي يعبئوا حواشيهم ثقلاً بغية البقاء على مقاعدهم والتمسك بمقاصدهم الشخصية.
ان عشر سنوات عجاف مرت على شعبنا العراقي جعلته يزداد تمزقاً وشرذمة بدلاً من ان يزيح اثار خراب النظام الدكتاتوري السابق، واليوم تجري محاولات حثيثة لتحويل الشعب العراقي الى شعوب متفرقة بهويات طائفية، وفي سياق ذلك غدت المحافظات تتكلم عن حدود واملاك خاصة لدويلات منفصلة. وكأن الدولة العراقية طرفاً اجنبياً لا دخل له، مما رفع مناسيب التمذهب الشديد الذي من شأنه الغاء الهوية الوطنية. وعليه صارت خشية المواطنين مبررة من ان يجري التماثل مع ما يطرح الان في لبنان ، من مشاريع تدعو الى ان تنتخب كل طائفة ابناءها، وربما لكل طائفة برلمانها، وقد فاحت رائحة هذا النفس التشطيري الملوث، من قبل بعض المتطرفين المستغلين للمظاهرات، وكذلك من متشددين على الطرف المقابل برز كنفس طائفي وجد له مبرراً للظهور.
الاجواء السياسية العراقية اصبحت تُعجز من يحاول وصفها، او ان يأتي بمفردات معبرة عن التردي الذي وصلت اليه. طبعاً لايهم كثيراً كيف نعرّفها، ويكفي ان يُعرف ان من نصبوا انفسهم ملوكاً على طوائفهم يديرون اوضاع البلد، ويكفي ايضاً ان لا يخفى همهم الاول والاخير، الذي يستهدف غسل عقول العراقيين وحشوها بغيبيات تضمن حجب الرؤية، وتعمم الظلام الذي يساوي بين الالوان، ويحصرها بلون واحد محرم المساس به، او حتى مجرد وجود ظل يوازيه. !! من هنا يمكن استقراء ما ستتمخض عنه الانتخابات المقبلة بابعادها ونتائجها، التي لا تبشر بان يركن اليها كأحدى ركائز بناء الدولة الديمقراطية المدنية. هذه الدولة المنشودة مضى على محاولة اعادة بنائها عقد من الزمن، وهي تراوح مكانها. اذا لم نقل تتراجع كدولة ولها مؤسساتها.
وعلى ايقاع التظاهرات وشرعية مطاليبها الجماهيرية، وما يقابلها من تلكؤ في الاستجابة، وصد ورد انطلاقاً من مفاهيم حكم بالية تخطاها الزمن، سوف تحظى نتائج الانتخابات بنصيب وافر من التجاوز على حقوق الاخر الاضعف، ولابد من التنبيه هنا بان هذا الزمن قد امسى فيه الاعتراف بحقوق الاقلية عنواناً لشرعية الاكثرية، وعلى وجه الدقة حينما تكون هذه الاقلية شريكاً بصنع الحرية وترسيخ الديمقراطية. غير ان صفحة اخرى لابد ان تقرأ جيداً، والمتثلة بتجربة حكم الكتل الكبيرة والامكانات المادية الكبيرة والزمن الطويل نسبياً، والتي تتوّجت بالفشل الذريع، وضياع الاموال الضخمة، وتدهور الاحوال المعاشية والامنية . هذه المرحلة المريرة التي خلقت تفاوتات طبقية حادة بين اثرياء الفساد وفقرائه، وكرد فعل لها سوف تتمخض الانتخابات القادمة عن مفاجأت لم تخطر ببال المتسلطين.
في الانتخابات الماضية شرعن التجاوز وسرقت الاصوات علناً، مما اضاع اكثر من مليون صوت كان محسوباً للتيار الديمقراطي. سيكون هذا "الصوت الثالث" ، اذا ما سادت النزاهة في الانتخابات، شاخصاً ومتميزاً وغير مبرقع زيفاً بالطائفية او العرقية. هذا وناهيك عن تناغمه مع الاصوات التي صارت تعض على الاصابع البنفسجية ندماً، لكونها منحت الى جهات لا تستحقها ولم تبرر ثقتها، وعليه لابد ان تتغير موازين القوى التصويتية عن وجهتها الماضية. وكان الخريف الذي وصلت اليه العملية السياسية قد خلق وعياً متقدما لدى الناس، ولم يعد الصبر مفتاح الفرج لتحقيق العيش الكريم للطبقات الفقيرة، ولم تنطل بعد تلك الاقاويل التي مفادها بان العذاب في الدنيا تقابله السعادة في الآخرة. ان صبر الجياع الجميل قد منح المسؤولين افضل الفرص، ولكن كانت نتائجها كاليستجير بالرمضاء من النار.