علي عرمش شوكت
ثقافة التغيير وجدلية اختمار الوضع الثوريعلي عرمش شوكت
صمتت الجماهير المضطهدة دهراً فانفجرت نصراً، بمعركة الحناجر المبحوحة من جراء الصراخ والاستغاثة والمطالبة بالحرية والحقوق والعدالة الاجتماعية. عقوداً طويلة من الزمن كان صدى اصوات هذه الملايين المسحوقة يكبت، خلف جدران السجون وزنازين اقبية المخابرات، لا شفيع لفتوى نفع ولا صوت دعوى سمع، لحين ان جاءتهم القارعة " المصيبة " على الظالمين، التي تمثلت بالانترنيت وابنائه ، الفيس بوك ، اليو تيوب ، التويتر ، وما زالت في الطريق ولادات اخرى.
لا يفوتنا ان نذكر بان رياح التغيير قد هبت من بلاد الرافدين قبل تونس ووادي النيل، من البصرة الصابرة وبغداد المناضلة ومدن كردستان الصامد مدى الدهر، ولكن لم تختمر ولم تكتمل فيها عوامل الثورة بعد، ارهاصات ثورية في كل انحاء العراق تعطي اشارات لابد للمعنيين قراءتها جيداً، لاينفع معها الترقيع و( صلي ) القرارات التي لا تعدو عن كونها رشاً لا تساوي شروى نقير. ازاء الفساد والنهب المنظم الذي ينخر الوضع العراقي برمته، العلة كل العلة في رجال حكام ليسوا برجال دولة وليسوا في الامانة والنزاهة والقدرة على معالجة مشاكل الحياة للمواطنين، ولم يفهموا بعد تلك الحكمة الشعبية ( ما يأكله العنز يطلعة الدباغ ) ، انهم يغرفون بلا حدود من السحت الحرام، ويزيفون بلا وجل.
ان ما حصل في تونس ومصر كفيل بكشف النقاب عن سبب العوز والفقر والجهل والتخلف الحضاري لعموم بلداننا العربية وبلدان المنطقة، و لم يكن ذلك مجهولاً، ولكن هذه المرة قد اصاب كبد الحقيقة واكد الرأي القائل " اينما وجدت فقراً وجدت ظلما وفساداً ورائه " وها هي الفضائح تتكشف بعد سقوط الطغاة ومحتكري الحكم ومستغلي شعوبهم ابشع استغلال. لكن في عراقنا يبدو نهب المال العام يشّرع بقوانين، وليس بحاجة الى ثورة لكشفه، مقنن للطبقة الحاكمة كرواتب وامتيازات وما يسمى بالمنافع الاجتماعية زيفاً. يقابله اتساع رقعة سكان اكوخ الصفيح ورواد مكبات القمامة، الامر الذي من شأنه سينشئ عاملين اساسيين لاختمار الوضع الثوري لدى الجماهير ضحايا الاضطهاد، وهما ، اولاً ان الحقوق لا تعطى ولكن تؤخذ غلابا ، وثانياً اللجوء الى العلم كافضل وسيلة لكسر حواجز الفكر الظلامي الذي يدعو الى الخنوع والاستسلام لارادة ولي الامر او الى ارادة الولي الفقيه.
التغيير هو منطق الحياة ففي كل لحظة يجري نحو الجديد، فكيف الامر اذا ما ظل حاكم عقوداً عديدة في تسلطه واستبداده ؟ ، ومما لا شك فيه انه سيخلف فقراً وعوزاً وظلماً، وفي سياقها مصادرة الحريات والحقوق، لان حرية التعبير تشكل معولاً ومحركاً للتغيير. هذه هي جدلية النهوض الثوري التي يدفع بها الظلم، ولكن يفعلها الوعي وقوة ارادة النضال لدى الجماهير الثائرة. التي ترتفع مقادير تضحياتها الى الاستشهاد ثمناً للحرية، وهذه ثورة شعب تونس كانت قدحت شرارتها باستشهاد الكادح " البوعزيزي " وكذلك ثورة مصر شعل فتيلها استشهاد خالد سعيد على يد شرطة نظام مبارك، وليست هي اخر الثورات.
ان النظرية العلمية لتفجر الثورات تنص على ثلاثة محاور، وهي:اولاً : وجود ازمة في قمة النظام المتسلط اي لايتمكن من استمرار فرض ظلمه،
وثانياً: وجود ازمة في القاعدة اي الجماهير ويعني لا مجال للسكوت على الظلم،
وثالثاً : وجود الاداة القائدة والمفجرة للثورة، وقد تجلى ذلك في ثورتي تونس ومصر، ولكن ما يلفت الانتباه حقاً هو وجود اداة قائدة غير تقليدية اي من الشباب الذي صنعه العلم اذا جاز هذا الوصف، بل وجعله احد ابرز سمة عصرية للثورات، في زمن الديمقراطية وعالم الانترنيت، الذي كادت تنعدم فيه عمليات التحول غير السلمي للسلطة ما عدا بقايا دينصورات الاستبداد، لهذا حصل وسوف يحصل تباعاً والعهدة على الفيس بوك. الذي نشر ثقافة التغيير.