علي عرمش شوكت
الأربعاء 15/7/ 2009
العلاقة الجدلية بين الحزب الشيوعي وثورة 14 تموزعلي عرمش شوكت
مرت الذكرى الحادية والخمسون لثورة الرابع عشر من تموز 1958 المجيدة ، وبمرورها وكالعادة حركت في الجماهير التي عاصرتها على وجه الخصوص مشاعر الاعتزاز والافتخار بمنجزاتها العديدة بقياس عمرها القصير ، ولكن ومع الاسف الشديد مرت ولم تجد من قواها الوطنية الا جماهير الحزب الشيوعي العراقي وبعضاً من الشخصيات الديمقراطية ، ظل الحزب مرتبطاً بها بعلاقة جدلية لا تقبل الانفصام مهما تغيرت الظروف والاحوال السياسية ، ففي احلك الاوضاع كان الشيوعيون يحيون ذكراها حتى وهم في اقبية السجون او في المنافي ، وفي احلك ايام حكم اعدائها واصل الشيوعيون وانصارهم والقوى الديمقراطية احتفالاتهم بذكراها سراً في البيوت والاماكن البعيدة عن اعين جواسيس السلطة الدكتاتورية الغاشمة .
اراد مدونو التاريخ السياسي العراقي ام لم يردوا حيث سُجل ارتباط ثورة 14 تموز بالحزب الشيوعي العراقي ، لم يكن ذلك اعتباطاً ، انما جاء كثمرة لعطاء بلا حدود من الحزب لهذه الثورة ، ومرد ذلك يعود الى تطابق اهدافها الوطنية التحررية وبخاصة السياسية منها والاقتصادية مع النهج الوطني للحزب ، واذا ما حسبنا اهداف الثورة بمستوى نضوجها سنجدها قد تأثرت الى حد بعيد بنضالات الشيوعيين في سبيل تحقيق مبادئهم التقدمية ، ومشاريعهم السياسيه الوطنية على مدى وجود حزبهم المناضل الذي اخذ مكانته المرموقة في الساحة العراقية بكل اقتدار ونزاهة ، ان التداخل بينهما اعمق وارسخ من هذه الصورة ، فحينما تجنح اذرع الثورة واجهزتها الامنية وتطال نشطاء الحزب وتكسر اجنحتهم ، نجده الحزب وانصاره مدافعين عنها بكل اخلاص ولكن بسلاح الحناجر وليس بالخناجر لان الزعيم الشهيد رفض اعطاء السلاح الى الجماهير خوفاً من الحرب الاهلية حسب روايات نقلت عنه. !!
وقد تجلت هذه العلاقة المصيرية التي كانت قائمة بين الحزب الشيوعي والثورة بما حصل في يوم الثامن من شباط 1963 الاسود ، اذ جرى تصفية قادة الثورة وفي مقدمتهم الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم ، وتصفية قادة وكوادر والاف من اعضاء الحزب وفي المقدمة منهم الشهيد سلام عادل ورفاقه البواسل ، واذا ما عنى ذلك شيئاً فيعني خصومة الحزب الشيوعي وخصومة الثورة واحدة ، ولم يقتصر دفاع الحزب عن الثورة في نهاية المطاف فحسب ، انما كان حاضراً في كل خطوة خطتها ومع كل انجاز كان الحزب سباقاً للتأييد والمساندة في التنفيذ ايضاً ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر كان تنفيذ قانون الاصلاح الزراعي بواسطة الكوادر الشيوعية ، مما جعل خصوم الثورة يعتبرونه قانوناً شيوعياً ، وعندما حصل تردد وتراجع لدى الزعيم ، استغل ذلك على عجل وقامت القوى الرجعية المتغلغلة في الحكومة بتصفية دوائر وزارة الاصلاح الزراعي من الموظفين الشيوعيين دون اي اعتراض من الزعيم نفسه ، وهذا ما تكرر في الوحدات العسكرية ايضاً حيث ابعد الزعيم كافة الضباط الشيوعيين من الوحدات الضاربة وسلمها الى اعدائه تحديداً من التيار القومي الذين استخدموها لاسقاطه وكانت مفارقة ساخرة .
هنالك من يلقي باللائمة على الحزب الشيوعي لربط مصيره بمصير الزعيم عبد الكريم قاسم ، واخرون من الاتجاه المعاكس يتهمون الحزب جزافاً وجهلاً بالحقائق بأنه هو الذي كان السبب في اسقاط الثورة ، ان الطرفين شحيحان بالمعرفة السياسية ولم يطلعا على التاريخ السياسي العراقي كما يبدو، او انهما مصابان بالعشو السياسي بفعل حقد اعمى ، فالحزب لم يربط مصيره بالزعيم وانما ادى واجبه الوطني ازاء انجاز تأريخي ناضل الشيوعيون وقدموا التضحيات بارواح المئات منهم في سبيل تحقيقه ، الا وهو النظام الجمهوري المتحرر من التبعية الاستعمارية المتمثلة بالنظام الملكي العميل ، ولهذا بقي الحزب الجهة السياسية الوحيدة التي خاضت غمار الدفاع الفعلي الميداني عن الثورة ، في الوقت الذي ساهمت القوى السياسية الاخرى بهذا الشكل اوذاك بالتمهيد لاسقاط ثورة الرابع عشر من تموز اذا لم تكن قد شاركت بالفعل في انقلاب 8 شباط 1963 الدموي الاسود ،
هذا هو سر العلاقة الجدلية بين الحزب الشيوعي الذي لم يكبو يوماً في مسيرته المبدأية وبين ثورة 14 تموز الوطنية التي انجزت خلال عمرها القصير ما عجزت عنه الحكومات التي تلتها وعاشت عقوداً بحالها وحتى يومنا هذا ، وشعبنا العراقي وقواه الديمقراطية مازالت تتطلع بمناسبة مرور الذكرى الحادية والخمسين الى احياء اثرها الثوري وبزعامة وطنية نزيهة كزعامة الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم ، وهذا ليس صعب المنال بوجود الزعامات الوطنية النزيهة .