علي عرمش شوكت
الأربعاء 16/1/ 2008
الراصدخرائط طريق على كثبان سياسية متحركة
علي عرمش شوكت
وصفت زيارة الرئيس الامريكي جورج بوش الى منطقة الخليج العربي بانها متوافقة مع تلطيف المناخ الذي انخفضت فيه درجة الحرارة بشكل غير مسبوق منذ زمن مع هطول الامطار بغزارة ، الامر الذي استبشر على اثر ابناء هذه المنطقة ، علما ان الزيارة كانت تنطوي على حمة سياسية داخلية لم يظهر منها سوى بعض الطفح الاهب نحو ايران وسوريا ، وهذا ما يكشف ارتباط جولة الرئيس الامريكي بالوضع العراقي ، نجد هنا العتبة التي يمكننا الدخول منها الى حيز الزيارة واجوائها الباردة في المظهر والساخنة في دهاليزها المستورة ، للحد الذي وصلت فقاعاتها الى بغداد ومتمثلة بوزيرة خارجية الولايات المتحدة الامريكية (كوندليزا رايز) ، التي وصلت دون اعلان ، وفي غضون ذلك برز مانشيت عريض وغير متوقع في الخطاب الرسمي العراقي مفاده ان رئيس الجمهورية ونائبيه زائدا رئيس الوزراء قد اتفقوا على تشكيل (مجلس تنفيذي) مع ان السيد المالكي في معرض الاشار اليه خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد على اثر انفضاض اجتماعه الاول، قال (السيد رئيس الجمهورية اسماه المجلس التنفيذي) وكأن تلك التسمية غير متفق عليها ، ومن المعروف ان مثل هذا الاجتماع قد عقد عدة مرات في الماضي وكان يسمى لمجرد الذكر (3 + 1) اي مجلس الرئاسة المكون من ثلاثة زائدا واحد اي رئيس الوزراء .
والمقصود فيما تقدمت الاشارة اليه فهي محاولة لتفكيك اشتباك مسارات الحراك السياسي العراقي الجاري واجلاء صورته المشوشة على رؤية المواطن العراقي ، فالانتقالات السريعة في المواقف لايساعد المتابعين السياسيين على تلمس خارطة طريق يهتدى بها الى محراب امل الخلاص من الازمة الخانقة التي يعيشها الشعب العراقي ، ولايمكن وصف الحالة الا كونها خرائط طريق ولكن قد رسمت على كثبان رملية متحركة سرعان ما تتغير احداثياتها ، فمن العمل المتواصل وتشكيل التحالفات المتوازية الى تلاقي الرؤوس المختلفة وتأسيس(مجلس تنفيذي) يستند على قاعدة المشاركة في اتخاذ القرار ومهمته بناء جدار المصالحة الوطنية على حد ما جاء بالاعلان عنه ، ان ما اعلن يعتبر موضع ارتياح ومبعثا للامل ، ولكن يبقى المواطنون يلفهم الوجل من تكرار حصول التقلبات في مواقف اصحاب القرار ، منطلقين من الحرص على تقدم العملية السياسية ،وعدم استهلاك الزمن الثمين ، بل واستهلاك عقول العراقيين ايضا ، حيث وصلت القناعة الى مرحلة شبه مفقودة بقدرة القائمين على حل الازمة وايصالها الى صعيدها المطلوب ، فتجربة خمس سنوات مضت قد قدمت مؤشرات لا لبس فيها ، تؤكد من ان السبب الاساسي الى جانب الاسباب الاخرى هي انعدام الثقة بين الكتل السياسية المعنية ، هذا وناهيك عن ان الجهد الاكبر الذي يبذل من قبل(قمم) هذه الكتل ينصب باتجاه الحصول على اكبر قدر ممكن من حصص مواقع القرار والنفوذ لمصالح فئوية ضيقة ، ما يسفر بجلاء عن صراع على السلطة والتمترس تجاه الاخر، حيث مازالوا يشعرون وكأنهم يعملون بمواقع المعارضة ، وبذلك يفتحون ابواب التدخل الخارجي والاقليمي تحديدا في الشأن العراقي على مصاريعها ، الامر الذي يفقدهم الكثير من حصانة وحرية واستقلالية اتخاذ القرار، مما ينعكس بالمزيد من التدهور في الازمة العراقية والذي هو قطعا تدهور وتدمير بلا رحمة لاوضاع البلاد والعباد .
و يلاحظ الحاحا متكررا من قبل الادارة الامريكية على الحكومة العراقية لتنفيذ التزاماتها والمتعلقة باقرار مشاريع لقوانين ، النفط والغاز ، المساءلة والعدالة ، تقاسم الثروات بعدالة بين السكان ، والقضاء على الفساد والقضاء على دور المليشيات الخارقة للقانون ، واجراءات المصالحة ، وتطبيق المادة 140 من الدستور ، وقانون انتخاب مجالس المحافظات ، وغيرها يعكس بكل وضوح عدم اقدام النخب السياسية الحاكمة في الوقت المناسب وبمسؤولية وطنية للتوافق على تنفيذ هذه المهمات ، الامر الذي فسح المجال للادارة الامريكية بمثل هذا التدخل ، وقد سبق وان اقدمت القوات متعددة الجنسيات لتشكيل (مجالس الصحوة) لمكافحة عصابات القاعدة دون اخذ موافقة الحكومة العراقي مسبقا ، وقد حصل ذلك الاجراء بسبب عدم مبادرة القيادة السياسية العراقية للاقدام على مثل هذه الخطوة التي افرزت حالة امنية كسرت ظهر الارهاب وفلول القاعدة تحديدا في المناطق الملتهبة .
ان كل ما تقدم بالذكر يعتبر عيوبا من شأنها زعزعت ثقة المواطنين بقدرة قادته ، كما لها تداعيات ضارة ومباشرة بالعملية السياسية ، ولهذا يكون من المؤسف حقا ان تفتقر القيادة السياسية للمبادرة والبحث عن التوافق والتلاحم والمشاركة في قيادة البلاد ، وليس من المناسب الا تتحرك الا بدعوة هذا او تدخل ذاك في حين لاتسمع صوت القوى الوطنية والديمقراطية الاخرى مهما تقدمت بمشاريع حلول وطنية وديمقراطية ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر ما قدمه الحزب الشيوعي العراقي بمشروعه الوطني الديمقراطي لحل الازمة ، ولم يتوقف عند هذا انما اقدم وبمشاركة الحزب الوطي الديمقرطي (نصير الجادرجي) وكذلك الحركة الاشتراكية العربية (عبد الاله النصراوي) على اصدار(النداء من اجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية) والذي يلقى تأييدا واسعا من مختلف الاوساط الثقافية والدمقراطية والقومية والاسلامية العراقية والعربية .