علي عرمش شوكت
السبت 16/5/ 2009
دولة المالكي .. في امتحان ام في محنة ؟علي عرمش شوكت
تحاصر وزارة المالكي تحديات مصيرية ، حيث تنط فقاعاتها الساخنة في كل زاية و تشتد صعوباتها اينما واصل رئيس الوزراء تعقب بؤر الفساد المالي والاداري والتصدي للنزعات التشطيرية ، ويمكن تشبيهها بكرة الجليد التي كلما تدحرجت كبرت ، فكل ملفات العملية السياسية غاطسة في وحل الخلافات ، ابتداءً من الدستور الذي صدر محاطاً بتحفظات عديدة ، ومروراً بآلية الفدرالية غير الواضحة ، و المحاصصة التي اصابت الديمقراطية بمقتل واخترعت ما سمي بالديمقراطية التوافقية ، والمصالحة الوطنية التي ظلت عنواناً عالقاً لا حول ولا قوة له ، و الفساد الذي غدا سلاح دمار شامل ، ومربعات النفوذ المحاطة بالمتاريس المستنفرة ، وهشاشة الامن والتلاعب بعتلاته المخترقة من قبل قوى داخلية وخارجية ، وصولاً الى النفط ومفاعيله ، كل هذه الملفات ليست مخزونة في ادراج الدوائر الحكومية ، انما امسى تناولها زاداً يومياً للمواطنين ، وعليه طغت حالة الترقب الوجل حول ما هو آت في الوضع السياسي العراقي ، حيث صار رئيس الوزراء محور احاديث الناس ، لكونه يتعامل مع الامور الساخنة تعاملاً مباشراً ، ولا يتوانى عن اطلاق تصريحات شديدة اللهجة عن الحالة الراهنة مصحوبة بوعود للمعالجة لم تظهر معالمها لحد الآن .
لكن يظهر ان يد السيد المالكي غير قادرة على التصفيق بمفردها ، وان هنالك بعض الاعتبارات الحزبية او الجهوية تحول دون اتخاذه الاجراءات العاجلة والحاسمة ، مما يعطي انطباعاً بان ثمة تبايناً بين اقواله ووعوده بالمعالجة ، فاشد ما يشار اليها من فضائح الفساد توجد بين المقربين منه او من وزراء حزبه ، وهذا ما يوفر للساعين الى الاطاحة به من بعض الاوساط امكانية استثمارها بشكل كيدي ، وذلك باضافة التوابل السياسية اللاسعة على روائح تلك الفضائح دون غيرها ، ومما لاشك فيه ان الفساد الاداري والمالي ذات قوة فاعلة للاطاحة بالمسؤولين عنه ، والتجارب لا تعد ولا تحصى في هذا الخصوص ، بل وان البعض يذهب في تقديراته لقوة الفساد التطوحية بانها اقوى بكثير من زحف الدبابات على القصور الرئاسية لانتزاع كراسي الحكم طبعاً هذا في الانظمة الديمقراطية .
ويمكننا القول ان السيد رئيس الوزراء امام معضلة شديدة الوقع على مسيرته السياسية ، وعليه ان يتخطاها بكفاءة عالية ، لكي يتمكن من احباط ما يحيط به من جهود كثيفة لازاحته ، ولا ندري كيف يخطط المالكي للخروج من هذه الدائرة التي تضيق حوله كل يوم ، فأما ان يعتبرها امتحاناً ويخوضه ( بمفرده ) دون اللجوء الى مساعدة الاخرين من الاوساط السياسية القريبة منه ، او يحسب نفسه في محنة ولابد له من الاستعانة بالقوى السياسية التي لاترغب بازاحته ، بمعنى من المعاني الاعتماد على كفاءات من احزاب العملية السياسية المشهود لها بالنزاهة ، واستيزارهم بدلاً من وزرائه المتهمين بالفساد اذا ما ثبت عليهم ذلك وفقاً لقرار قضائي ، وفي مطلق الاحوال عليه غلق منافذ الرياح ( الخماسينية ) التي تهب من مختلف الاتجاهات على مكانته كرئيس للوزراء .
ان المسؤولية الاكثر اهمية التي تواجه الاستاذ المالكي هي الحفاظ على وحدة البلاد وثرواته من الضياع والبعثرة ، ولا مناص امامه سوى المضي في تعزيز المثلث الدفاعي المتمثل بأستتباب الامن وفرض القانون بعدالة ، والقضاء على الفساد دون تردد ، ولجم النزعات الاستحواذية التقسيمية ، حينها سيجد حوله قد شيدت حصوناً شعبية مخلصة تزيح العلة كما يقول المثل الشعبي ، ان خطب دولة الرئيس توحي بالتوجه المطلوب الذي يثلج الصدور ، ولكن البطء في ترجمة تلك الاقوال الى افعال والاكتفاء بمجرد وخزات تحذيرية يكاد يبدد الاستبشار ويبعد الامل ، الامر الذي ينبئ بخلق صورة معاكسة للمشهد المأمول ، ولاعتبارات تاريخية ما برح العراقيون يبحثون عن بطل منقذ كعادة شعوب الشرق المضطهدة ، وفي هذا السياق اخذت الناس ترمق المالكي بنظرة من طرف عين متأملة ، وهذه تشكل مرحلة متقدمة من كسب قناعة الجماهير يحسد عليها ، وليس من السهل حصول رئيس عربي عليها في مثل هذا الزمن .
وهنا يمكن تلمس قسمات المحنة التي يعشها السيد المالكي ، حيث تاخذه الحيرة كما يبدو بين اهمية كسب ثقة الشعب وتحوله الى مرتبة القائد الوطني وليس قائداً لحزب الدعوة الاسلامية ، وبين الحفاظ على تأييد انصاره المقربين منه رغم ما يحصل منهم من خرقات قانونية تصب في خانة خصومه السياسيين ، وبالتالي تؤدي به الى التطويح وربما الى نهاية حياته السياسية ، فالكرة في ملعبه وعليه ان يجيد لعبة الهجوم المعاكس بعد ان يغيير عدد من اعضاء فريقه ويطعمه بمن يحسن اللعب النظيف الذي يسعد الناس ،