علي عرمش شوكت
الخميس 17/9/ 2009
الحزب الشيوعي العراقي .. سياسة التروّي وسط صراع صاخبعلي عرمش شوكت
تترقب جماهير الحزب الشيوعي العراقي ظهور الصيغة الاخيرة التي سيدخل الحزب فيها الانتخابات البرلمانية القادمة ، وفي الوقت ذاته يدور جدل داخلي وفق قواعد ديمقراطية واستمزاج اراء اوسع عدد من الكادر الحزبي ، بغية وضع اللمسات المناسبة النهائية على تحديد شكل المشاركة في العملية الانتخابية ، التي ستجرى في منتصف شهر كانون ثاني 2010 ، لقد درج الحزب الشيوعي على الابتعاد عن النزق السياسي والتحلي بطبع التروي في اعقد المنعطفات السياسية واحلك الظروف التي واجهته ، ذلك ما عزز رسوخه ونهوضه بشموخ بعد اقسى الضربات وحملات الابادة التي وجهتها له الانظمة الرجعية والدكتاتورية ، حيث ولت وظل الحزب اكثر منعة وقوة ، رغم ان بقايا من تلك الانظمة وايتامها لم ينفكوا عن محاولاتهم البائسة للنيل منه .
وقبل ان يفوتنا ذكره ، ان ما نكتبه هو وجهة نظر شخصية ليس الا ، عسانا ان نتمكن من المساهمة في التأشير على حقائق الامور ، التي عادة ما تطمس معالمها في خضم لجة الحراك السياسي المحتدم ، او احياناً بصورة مقصودة ، لاشك ان لها خلفية واهداف غير نزيهة ، ومن رؤيتنا لسياسة الحزب الشيوعي ودوره في هذا الحراك السياسي وتجاذباته الساخنة ، نؤشر على مبادرة الحزب السبّاقة ومنذ بداية التغيير في الوضع العراقي ، اذ طرح مشروعه الوطني الديمقراطي ، داعياً الى تشكيل جبهة وطنية واسعة من كافة القوى المؤمنة بالعملية السياسية والحياة الديمقراطية الجديدة ، وقد ترجمها الى الواقع العملي حيث إئتلف مع قوى ديمقراطية ( القائمة العراقية ) كانت تعارض المحاصصات الطائفية والعرقية وبتوجه وطني سليم ، ومع ان هذه التجربة لم تصمد امام سلوكيات بعض اطرافها النازعة الى الاستفراد بالقرار مما اضطر الحزب الشيوعي للانسحاب منها ، الا انه عاود مبادراً ايضاً الى الدخول بإئتلافات مع قوى التيار الديمقراطي لخوض الانتخابات المحلية الاخيرة .
ونشير على سبيل تذكير من يتجاهل هذه الحقائق لكي يبرر طعنه للحزب بدوافعه المعلومة طبعاً ، ولامجال لذكرها هنا ، نشير الى انضمام الحزب الشيوعي الى التحالف الكردستاني ، ومن نافلة القول انه كان يقبل بالقليل الذي لا يتناسب مع وزنه ورصيده النضالي وتضحياته ومواقفه الوطنية ، هادفاً تحقق المزيد من المكاسب لابناء الشعب العراقي والمزيد من الاستقرار والتقدم واستعادة السيادة للعراق والتخلص من مخلفات الدكتاتورية وما ترتب من مآسي وتداعيات الاحتلال ، كل ذلك كانت ذات الاوساط المسعورة على الحزب في هذه الايام توصفها بانها التسرع غير المتأن وتحالفات عجلى لا افق رحب لها الى اخر قائمة النعوت ، التي كانت الغاية من سوقها التقليل من قدرة الشيوعيين ومعرفتهم بطبيعة تحالفاتهم ، واليوم تنبري ذات الجهات ايضاً لتوصف تأني الحزب وترقبه لما يجري بحكمة وعدم الانسياق مع سباقات تشكيل الإئتلافات غير المتبلور تماماً ، بانها تخلف عن السياقات الخطيرة في الوضع السياسي في البلد وانها حيرة تلف سياسة الحزب ، وعدم الاكتراث في ما يعتمل داخل المشهد السياسي العراقي .
والحقيقة لا بد ان تقال ، ان حمى التهيؤ للانتخابات والصراع من اجل تكوين اكبر الكتل وبالتالي عزل الاحزاب التي لا تنجر خلف هذه او تلك من التشكيلات المتخومة بارث المرحلة الماضية ، يدعو الى التحرك وحشد اكبر قدر من الامكانيات الكفيلة بالبقاء في العملية السياسية ومواجهة نزعات العزل والاقصاء واحتكار الحكم ، وهذا تحديداً ما نقرأه فيما يقوم به الحزب الشيوعي على اكثر من خيار واعادة هندسة تحالفاته بما يتلائم مع اخر المستجدات السياسية ، والاستعداد لتوفير الآليات المطلوبة ليبقى الحزب وكافة القوى الديمقراطية في مقدمة عملية بناء الدولة الديمقراطية العراقية .
وقد اثبتت تجربة الحركة السياسية في العراق ان النزق السياسي نتيجته الانزلاق في الهاوية ، واذا ما عايانّا الكوارث السياسية التي مر بها العراق شعباً ووطناً نجدها بالمطلق حاصل سياسات متهورة رعناء ، تركت العراق في نهاية المطاف تحت رحمة الاحتلال والاختراقات الاقليمية الغادرة ، وكان الحزب على الدوام محترساً ومعارضاً لها ، وشاهدنا الاكثر قرباً هو معارضته للاحتلال ، وعلى ذات المنهج الوطني ما زال الحزب يعمل حتى على صعيد التحالفات لتكريس الجهد الوطني عموماً لتخليص البلد من اثار السياسات المغامرة ، وهذا ما يؤشر بوضوح على ان سياسة التروي وسط الصراع السياسي المحتدم ، تعبر عن ثقة بالنفس والاستفادة من تجارب واخطاء الماضي وبخاصة على صعيد التحالفات .