علي عرمش شوكت
الوضع العراقي ما بعد التكليف
علي عرمش شوكت
نجا تكليف رئيس الجمهورية للسيد حيدر العبادي من كمائن المالكي بفضل التطويق الذي قامت به كافة القوى السياسية المخلصة، سواء كانت عراقية ام دولية، حول ما جهزه رئيس الوزراء المنتهية دورته من الغام، كانت بحسبانه فقط، عصية على السيد حيدر العبادي ان يتخلص من اثرها المعرقل لمهمته، كما كان يظن بانها ستخلق مناخاً من شأنه ان يقضم الثلاثين يوماً " المهلة الدستورية " امام المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة ، وحينها يكبر امل، بل حلم المالكي بعودة التكليف اليه ومنحه "الولاية الثالثة". التي عبر عنها بـ " انها ليست بالقضية السهلة التي يمكن الالتفاف عليها " كما وصفها بثلم للدستور الذي خرقه هو اكثر من مئة مرة.
كان تصرف السيد المالكي بالوهلة الاولى يتسم بـ " الفتونة " وعدم الاتزان منطلقاً من الشعور بالقوة العددية من الناخبين التي يمتلكها. وبتصور خاطئ ظن انها قوة ضاربة لا يمكن لاحد تجاوزها، وغدا شاعراً بانه يعوم في بحيرته الخاصة، دون ان يرى ما يدور حوله من امواج غضب جراء ما خلفه من دمار للعراق ولشعبه، الامر الذي لابد له من ان يدفع ثمنه. حيث بات مجرداً ولا شفيع له سوى الانسحاب ببياض الوجه في اقل تقدير، وما عدا ذلك سيصبح خارج العملية السياسية. وينبغي الا يغيب عن الاذهان بأن الظهور الفاقد للرؤية الواقعية من قبل المالكي والذي تمثل بالخطب الموتورة ودعوة انصاره للتظاهر، و تقديم شكوى الى المحكمة الاتحادية، وكذلك استخدام لغة التهديد والوعيد بـ" نار جهنم "، الا انه وبعد يوم ونصف يتغير الى 180 درجة بظهوره الختامي منسحباً الى صالح السيد حيدر العبادي،فماذا يؤشر ذلك هل يعقل ان يخرج دون ان يتمسك من خلال اتفاق غير معلن ببعض الامتيازات السلطوية، بغية ضمان دور له في قيادة البلاد..؟.
ومما يؤكد ما ذهبنا اليه هي تلك التصريحات التي ادلى بها " صلاح عبد الرزاق " محافظ بغداد السابق وهو عضو مكتب سياسي في حزب الدعوة لقناة الشرقية، والتي جاء فيها ،{ ان السيد المالكي سيكون له الدور الاساسي في العملية السياسية، وسيتدخل في كل صغيرة وكبيرة" واضاف بان المالكي سيكون له الحق في اختيار الوزراء !!" } . ما يعني بانه و بحكم كونه رئيس كتلة دولة القانون وامين عام لحزب الدعوة، واذا ما وجد متسعاً لتنفيذ مآربه سيجعل من السيد حيدرالعبادي مجرد واجهة، " كخيال مآتة " وربما لا يسمح له حتى بالجلوس في مكتبه، والابقاء على مستشاريه الذين ساهموا في تحويله الى مستحوذ ومتسلط على كافة مفاصل الدولة ، ولا شريك له.
ان معطيات كافية تشير الى قدرة السيد حيدر العبادي في التمكن من ان يكون صاحب القرار، غير ان الذي سيعين العبادي على بلوته مع المالكي هو، اشراك جميع قوى العملية السياسية في الامر، وذلك بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تنبثق من خلال مؤتمر وطني عام، يضع البرنامج الحكومي، الذي تاتي في مقدمته الاولويات الوطنية العامة، المتمثلة بالمصالحة الوطنية، وانشاء الدولة المدنية الديمقراطية، التي تلبي مطالب الشعب الكردي، وحقوق المناطق الغربية، وانهاء اي مظهر من نهج المحاصصة الطائفية . والقضاء على الفساد، ومواجهة الارهاب، وتحريك عجلة التنمية البشرية والاقتصادية، وبذلك يصبح فاعلاً في التغيير المنشود. ورئيس وزراء لكل العراقيين.
ان التقيّد بهذه المهمة التاريخية ستجعل بعض سياسيي العراق ان يعوا بان قيادة وبناء الدولة لم ولن يتم بالرغبات الانانية الشرهة والجامحة، انما بالشراكة المنقطعة النظير لابناء الوطن المأطرة بالمواطنة والحرص على مصالح الشعب بكل فئاته وانتماءاته الفكرية والسياسية. ستقدم للمالكي ولغيره عبرة بان نهج الاستحواذ على القرار المصيري، والنهب المنظم لاموال الشعب وتوظيفها للبقاء الابدي على رأس السلطة، امست ورقة بالية. لابد ان تطويها رياح التغيير المتصاعدة في عصر الديمقراطية وارادة الشعوب.