علي عرمش شوكت
الخميس 18/6/ 2009
دخان ابيض فوق المنطقة الخضراءعلي عرمش شوكت
تعطلت لغة الحوار وسادت حالة الترقب السلبي في اوساط العملية السياسية في العراق ، وطغى التشنج على عبارات ردود الافعال ، وارتفعت سخونة السجال الى حد المناوشات الكلامية الخشنة ، لا احد يريد ان يسمع الآخر وانما الكل يريد من الكل ان يستمعوا الى مطالبه وشكواه دون غيرها ، تضاريس سياسية بدأت تكبر وتتضخم لتشكل عقبات كأداء على طريق العراق الجديد ، لذا يصعب الفرز بين من يطالب بحقه المشروع ومن يدعي بحقه الضائع وحق مضاف عليه ، وكأنه يريد جني فوائد لودائع مصرفية ، والمواطن العراقي صار مرغماً على سماع صوت من اضطر منادياً بالخلاص من ( التبعية للعراق )، والاخر لا يكترث ولا يشعر بمخاطر ايقاع خطواته المنفردة ، لاسيما وانه يسير في طريق تغص بالكمائن الخطيرة ، عراق اليوم عراق التعدد والاختلاف على بساط المشاركة وتحت سقف المصير الواحد ، فهل يقتدي الماضون في غيّهم ؟ ،
الملفات .. وديعة الناس لدى من انتخبوهم لغاية التقيّد بها وتنفيذها ، بيد ان اهمالها لاتفسير له غير التنكر للعَقد الاجتماعي والسياسي بين الناخب والمنتخب ، ربما في بعض الاحيان تتحكم الظروف وتشل العزائم ، وهنا يسمح بقدر معيّن من العذر لمن لا يجد الى الوفاء سبيلاً ، ولكن الى حين ، وفي مطلق الاحوال يبقى المواطن صاحب الحق في تلمس انعكاس صدى صوته الذهبي ، الذي رفع من شأن البعض الى مقامات عالية لايحلمون بها وليسوا كفءً لها ، وعليه لابد من الحساب في يوم ( قيامة دنيوية ) ، لقد ملأت ملفات الفساد ادراج البرلمان ، وهي مضافة الى تلك الملفات التي تخص مطالب الناس الخدمية والحياتية الاخرى ، والتي غدت شبه معطلة ، مع ان هنالك والحق يقال عزاءً بما تحقق من خطوات جادة في الملف الامني ، حيث به اسقطت الاعذار وذاب الثلج وبان المرج على حد تعبير المثل الشعبي .
وفضلاً عن تعطل ملفات الخدمات والتي تتوقف عليها سبل الحياة تبرز الخلافات وتُفقد المسؤولية التضامنية بين اصاحب القرار الشركاء في ادارة العملية السياسية ، التي غدت هي الاخرى تفقد ملامحها وتقترب من لاعملية سياسية ، في ظل خلافات تناحرية خطيرة ، اوصلت البعض الى ان يزهق من عراقيته وينتظر اليوم الذي يتخلص فيه من ( التبعية للعراق !! ) وكأن العراق بلد محتل في نظره للاسف الشديد ، حقاً انها حالة مؤسفة وتتطلب التأمل والمراجعة من جميع الاطراف المعنية ، ولكن ما يبعث على الامل في النفوس ويردم اثار براكين التصريحات غير المسؤولة ، هو لقاء ممثلي الكتل السياسية العراقية الذي يعول عليه شريطة الا يكون للاستهلاك المؤقت ، و الخشية من ان يواجه بالاحابيل كالعادة ومن ثم العودة الى منابر التصريحات الساخطة ، ان ما تم على اثر ذلك اللقاء كان يمثل ( دخان ابيض ) تصاعد في سماء المنطقة الخضرا ، اي على شاكلة تصاعد الدخان الابيض الذي ينبعث عادة من فوق بناية ( الفاتيكان ) في روما ، حينما يتم اتفاق جميع الكرادلة المختلفين لاختيار البابا الجديد .
ان ملفات تعديل الدستور ، وخلافات حكومة اقليم كردستان مع الحكومة الاتحادية ، وقانون النفط والغاز المؤجل ، والمصالحة الوطنية والصحوات ، والفساد المستشري ، ومعضلة كركوك ، و اشكالية مجلس محافظة الموصل ، و الانسحاب الامريكي وما بعده ، وشحة مياه الرافدين الكارثية ، هذا وناهيك عن التدخل الاقليمي والاجنبي وتبعاتهما الخطيرة ، زد على ذلك ضعف الخدمات العامة وهشاشة الامن ، وازمة السكن وفوضى التجارة وارتفاع الاسعار ، كلها تحديات لا يأبه بها المسؤولون في مواقع سلطة القرار بقدر ما يهتمون بمصالحهم الحزبية والفئوية الضيقة ، ان تفجّر واحدة من هذه البؤر كفيل بنسف كل ما تم في التجربة الديمقراطية العراقية ، وحينها سوف لن يبقى سوى ما يسر اعداء العراق واعداء الديمقراطية ،
كل ما تقدم من تأشير وتنبيه وتنويه حول مكامن الخطر وعواقب اهمالها ، قد كتب عنه الكثير ، بحيث لم يمر يوم تخلو به الصحافة من الانتقادات والتحذيرات وحتى التهديدات بكشف المستور من التجاوزات على القوانين والاهمال لمصالح الوطن العليا ، بيد انه لم يزحزح شيئاً مما هو عليه اوضاعنا العامة ، وهنا اقتضى الامر ان نتعامل مع وسائل ايضاح اكثر ملموسية ، فتتقدم امامنا التجربة الايرانية وانفجارها الملتهب وان دامت ثلاثين عاما ، ولكنها تعطي درساً بليغاً في ما يحصل على اثر تراكم الغضب من جراء اهمال شكوى المواطنين من الاجحاف بحقوقها الانسانية وعدم الحرص على ثرواته واستقرار البلد ، التي تؤدي حتماً الى انفجار نوعي في سبيل ما تصبو اليه الجماهير من حرية وديمقراطية وتطور وحرص وشفافية في مجرى اعادة بناء العراق الديمراطي التعددي الاتحادي المزدهرالمتحرر المستقر