علي عرمش شوكت
الأحد 19/10/ 2008
تمخض الاحتلال فولد اتفاقية امنية !!علي عرمش شوكت
تجاوز عمر الاحتلال في العراق الخمس سنوات وهو يمضي سافراً جالباً معه العديد من الامور الغريبة على شعبنا ، اسبغ على نمط الحكم { نعمة الطائفية } المقيتة ، بعد ان كرس جهده لهد اسس الدولة من جيش ومؤسسات ، مع انها كانت عبارة عن بقايا هياكل منخورة ، مما ادى الى ان عمت الفوضى في البلاد بلا حدود ، وفي ظلها اهدر الدم العراقي الى الحضيض ، و صنع من الفساد والسرقات نماذج من طراز جديد ، هذا وناهيك عن الانشطار الحاد في بنية المجتمع العراقي ، وفتح الاحتلال ابوب الحدود حتى لخصومه ، فاطلق حرية واسعة لتدخل سافر في شؤون البلد من دول الجوار على وجه الخصوص ، الامر الذي ادى الى هتك السيادة الوطنية ، لكن المعنيين ما زالوا يكتفون بالكلام في مواجهة ذلك للاسف الشديد ، ولكي نكون منصفين لابد ان نذكر ان الغزو الامريكي قد ازاح كابوس الدكتاتورية البغيضة وهذه تحسب له ، ولكن بحسابات بسيطة اخرى اشرنا اليها آنفاً تُظهر بجلاء ما حل بالبلاد من مصائب بسببه ، لاتختلف اثارها الكارثية كثيرا عن مصائب الدكتاتورية ، وعلى اية حال نجد انفسنا كموطنين عراقيين ملزمين في البحث عن طريق الخلاص باقل الخسائر ، كون احوال شعبنا متعبة ولا قدرة له بتحمل المزيد من البلاوي ، الا اذا كان ذلك يعد صبراً لتحمل مشاق قطع ما تبقى من شوط يؤدي الى الخلاص من هذه المحنة .
بقايا الشوط كما يبدو قد حُدد زمنياً في نهاية عام 2011 ، الا ان ما تبقى من اعباء الاحتلال ومخلفاته واثاره التي تمس بمصالح شعبنا الوطنية ينبغي ان تنتهي وفقاً للقرار الامم 1790 ، ووفقاً لمقتضيات السيادة الوطنية ينبغي تحديد الموقف من وجوده ، لقد تمخض الاحتلال بعد خمس سنوات ليولد اتفاقية امنية كخلف له ، ان معطيات شتى تشير الى رفضها من قبل الشعب العراقي طالما ظلت غير واضحة المعالم ، وغير فاعلة باتجاه استكمال السيادة الوطنية واعادة بناء المؤسسات والقوات المسلحة العراقية بمستوى التحديات ، فالتداعيات التي نجمت من جراء الاحتلال تلزم الولايات المتحدة الامريكية باعادة ما خربته من بنية تحتية ، كما انها تتحمل مسؤولية حماية العراق من الطامعين الشرسين في ثرواته التي نهب منها ما لا يحصى وما زالت تنهب .
المعارضة للاتفاقية تتجلى في الشارع العراقي بصورتين ، الاولى معارضة مع سبق الاصرار والترصد اي انها ترفض الاتفاقية باية صورة كانت ، الثانية ترفضها اذا لم تكن فاعلة باتجاه استكمال السيادة الوطنية واعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية وفي مقدمها المؤسسة العسكرية ، ما يعني قبول الاتفاقية على قاعدة استكمال الشوط الى نهاية المشوار الزمني الذي حُدد في عام 2011 ، على ان يتم خلاله تبادل علاقات متكافئة ومتماثلة بين دولة العراق والولايات المتحدة الامريكية ، وما يشرّع ذلك هو ايجاد عقد سياسي يحرم اية بنود سرية ، تنص على منح الجانب الامريكي امتيازات على حساب المصالح الوطنية ، لكون الاتفاقيات السرية تتم عادة في الامور ذات الوزن الثقيل ، ولذلك يكون جلها خارقة للشرعية وعلى قاعدة الجزء الغاطس هو الاكبر ، اما مواقها فستكون على الصعيد الاقتصادي ، عقود النفط ، في الجنب الامني ، العمل المخابراتي ، وعلى المستوى السياسي ، عمل مشترك او متناغم في الموقف السياسي ضد الدول المتخاصِم معها احد اطراف الاتفاق ، وعلى الصعيد العسكري ، حصر التسليح والتدريب العسكري بالدولة والمصنعة له ، طبعاً الولايات المتحدة ، بمعنى تسليم عتلة القوات المسلحة العراقية بيدها ، ومن ذلك يكون منطلق المعارضة الوطنية .
المعارضة التي ترفض الاتفاقية تماماً عبرت بالامس عن موقفها في الشارع بمظاهرة حاشدة نظمها التيار الصدري ، مع ان الاتفاقية مازالت في طور النقاش ، وكان { غوردن جوندور } الناطق باسم البيت الابيض قال : اننا مازلنا في مرحلة النقاش - ، كما جاء تأكيد لبقاء الاتفاقية ضمن حيز التداول من { شون ماكورماك } الناطق باسم الخارجية الامريكية ، ويزيد بتأكيد هذا الامر هو وصول الاتفاقية على طاولة المجلس السياسي للامن الوطني ، كمحطة اخيرة قبل وصولها الى مجلس النواب ، وحينها سيحصل الصراع الحقيقي حولها ، وستتكشف بنودها التي ستكون مدعاة حقيقية للرفض او للقبول ، وستفرز المواقف بجلاء وعلى ذلك تكون الاصطفافات السياسية معبرة عن رؤية الكيانات واحزابها دون لبس .
ورغم ذلك فقد تم توزيع نص لها على الكتل السياسية العراقية من قبل رئيس الوزراء السيد نوري المالكي ، وفي غضون ذلك طالب الائتلاف العراقي الموحد باعادة صياغة مسودة الاتفاقية حتى تكون ملبية لمصالح الشعب العراقي حسب تعبيره ، ويعني ذلك رفضاً غير مباشر ، علماً ان الادارة الامريكية سبق و اكدت بأن هذه النسخة هي الصيغة الاخيرة للاتفاقية ، وفي ذات السياق كانت ظهرت تلميحات بوجود اوراق ضاغطة امريكية اخرى يمكن ان تطرح في حالة الرفض من قبل الحكومة رسمياً ، وفي ظل هذا الوضع الشائك والانقسامات في الرأي السياسي العراقي تغيب تماماً الاستراتيجية السياسية الحكومية ، ولا احد يتحدث عن الاحتمالات والتداعيات في حالة الرفض اوالقبول لهذه الصيغة الاخيرة ، ان ذلك يدل على ان الصف الوطني العراقي مبعثر ، امام موقف امريكي قوى لايمكن انتزاع اي حق منه بهذا التفكك المتكلس في بعض من العقل السياسي العراقي ، ان الاحتمالات المتوقعة هي اما مواقف جديدة امريكية ضاغطة يقف امامها الجانب العراقي غير قادر على تجاوزها ، واما العودة الى اروقة الامم المتحدة والتي هي الاخرى غير قادرة على تجاهل الاحتلال الامريكي ، وازاء ذلك يبقى الحل والخروج من هذه المعضلة الشائكة بعهدة الشعب العراقي الذي يكون قادراً على تجاوزها في حالة وحد صفوفه وارادته الوطنية الخالصة بعيدة عن الاجندات اللاقليمية والدولية .