علي عرمش شوكت
الثلاثاء 19/8/ 2008
قانون انتخابات مأزوم وناخب مظلومعلي عرمش شوكت
تعسرت ولادة قانون انتخابات مجالس المحافظات ، واريد له ان يأتي وفقاً لمعايير ارادوية وليست موضوعية تفرضها متطلبات مرحلة اعادة بناء دولة المؤسسات المنشودة في العراق، كما استقبله البعض راسماً له الشكل الذي يناسب مبتغاه الخاص ، متناسياً انه جاء استجابة لغرض انجاز مصلحة وطنية عامة ، ولا شك ان الدوافع من وراء محاولات اخراجه من مطبخه ( مسلوقاً ) ، مردها السعي المتهالك لاتخام نهم البعض من السطوة والنفوذ ، دون الاكتراث بأنه سيكون في هذه الحالة عسير الهضم لدى الجميع دون شك ، لذلك فسدت التركيبة ، مما اثر سلباً بصورة مباشرة على مزاج الناخب العراقي ، واول تجليات ذلك انكماش ملحوظ في ذهاب المواطنين الى مراكز التسجيل للانتخابات ، حيث ان احصائيات اولية قد اشارت الى ان من سجلوا اسماءهم لحد كتابة هذا الموضوع قد تجاوزوا بقليل المليون ناخب فقط في عموم العراق ، في الوقت الذي كادت ان تتجاوز فرصة التسجيل زمنها المحدد ، وهنا لايختلف عاقلان على ان تلك الجولة البرلمانية العاصفة التى حصلت في الثاني والعشرين من تموز الماضي ، كانت قد قلعت الخيام السياسية البراقة وكشفت حقيقة ما كان يعتمل تحتها ، ولانريد ان نعطي لرد الفعل هذا وصفاً بقدر ما نهدف الى لفت الانظار اليه ، فهو في مطلق الاحوال سيأخذ محله على رصيف التراكم النوعي والكمي للتغيير الذي اخذ ينمو في وعي الناخب العراقي حيث كان قد غيب قسراً وظلم عنوة .
ويحدو الامل الحريصين بأن تكون تجربة الخمس سنوات الماضيات والتي كانت عاصفة حقاً قد ساعدت على انجلاء الغمامة الكارثية ، تلك التي جيئ بها لغاية تعليب الوضع السياسي العراقي بقماقم طائفية و اثنية يكمن تحت كل منها ( مارد ) من الخطورة بمكان المساس به !! ، وثمة بشائر بالمزيد من ارتفاع الوعي الذي ينتسب اصلاً الى ردود الفعل التي علقمت نفوس الناس من جراء ( حصاد ) تجربة الفترة الماضية ، التي اغرقت البلد بمزيد من الظلام والظلم الاجتماعي والعوز الاقتصادي والرعب الامني والفساد المالي وغيرها ، تلك كانت افرازات فوضى ضاربة ، ومن هنا تحسب القوانين التي يصدرها مجلس النواب الجهة التشريعية الوحيدة في البلد بمثابة السلاح المعول عليه لمكافحة الاوضاع المزرية ، بيد ان الكارثة ستكبر عندما يُصَغر دور الشعب العراقي الذي يمثله مجلس النواب ، وهنا يطرح سؤال مهم مفاده : من الذي يعطي لنفسه الحق ان يتلاعب بأرادة المشّرع العراقي ؟ ، ولايخفى الجواب حتى على نزلاء المصحات العقلية ، فالمشّرع ذاته هو المسؤول عن صيانة و صحة وسلامة تشريعاته ، وفي حالة دخوله بمساومة غير مشروعة او اخلاله بثقة ناخبيه سيدفع ثمن ذلك بخلع الشرعية عنه بحكم الدستور ، واذا ما حسبنا كم من النواب قد وقع تحت هذه الطائلة الدستورية ؟ ، سنجدهم كثراً ، ولكن في واقع الحال مازالوا نواباً لم تطلهم اية اجراءات تذكر بفعل المساومات والمحاصصات ، ومن المؤكد سيأتي العقاب والثواب في الدورات الانتخابية القادمة ، هذا اذا ما الغيت صلاحية رئيس الكتلة البرلمانية في تعيين وبقاء النائب مهما تحول الى اداة لارادة فئوية ، تجرده بحكم القانون من مهمته ومسؤوليته في التشريع لصالح الشعب واداء دوره الرقابي على السلطات ، وفي الوقت ذاته تحول الناخب الى ( المتهم الاول ) عن ارتكاب الخطأ في اختيار الشخص غير المناسب وتداعيات تصرفه غير المنضبط ، ومن باب الانصاف يعتبر الناخب مخدوعاً في هذه الحالة لكونه قد ضُلل في عملية التصويت لشخص غير جدير باداء دور ممثل الشعب في مجلس النواب ، ولكن على اية حال ان القانون لايحمي المغفلين .
ولا غرابة في ظل مناخ سياسي ملبد بالخلافات والضغائن بسبب التصارع على مواقع النفوذ ان تتمخض خلاله عن مجلس نواب متعب قوانين مأزومة ، حيث نصف هذا المجلس غائب ونصابه معوق دائماً ، اذاً كيف يستطيع قانون مقطوع النسب عن ارادة وحاجة الجماهير ان يكون حجر الزاوية كما هو مفترض في بناء دولة مؤسسات عراقية منشودة ؟ ، بعد كل ذلك يواجهنا سؤال وجيه ومركز مفاده ( ما العمل ؟ ) ، لاريب في ان المواطن العراقي المغيّب عن المشاركة في تقرير مصيره ومصير بلده ، يمر اليوم بظرف غريب على الحياة السياسية العراقية ، فلا يحسن التعامل مع مفرداته و آلياته الديمقراطية الجديدة ، وهذا ما يجعله عرضة للانسياق وراء بعض الرموز السياسية وغيرها لعلها تهديه الى سواء السبيل كما يعتقد ، غير ان النتيجة كانت مخيبة للآمال ، صورتها عملية سياسية ديمقراطية جميلة ، ولكن للاسف الشديد تفتقر لثقل الكفاءات الديمقراطية المؤمنة باعادة بناء دولة ديمقراطية فدرالية عراقية موحدة على اسس حضارية رصينة ، مع ان هذه الغاية الاساسية هي التي يسعى من اجلها شعبنا العراقي ، ولكن وضعت معظم عتلاتها المحركة ليس بيد من هو الاكفأ .
ان تنمية الوعي الديمقراطي يقع في جله على عاتق المفوضية العليا للانتخابات ، هذه الجهة المحايدة وصاحبة الحق في ترسيخ مستوى عال من المعرفة في هذه الممارسة الديمقراطية لدى المواطنين بغية سير العملية الانتخابية في مسارها الصحيح ، غير ان ذلك لايعفي اية قوى سياسية من هذا الواجب الوطني ، وينبغي ان تضع مفوضية الانتخابات شرطاً على الدعاية الانتخابية ينص على تحديد جزء منها مخصصاً لرفع الوعي الديمقراطي والادراك والحرص المطلق على المصالح الوطنية العليا ، فضلا عن دور وسائل الاعلام الرسمية التي يفترض ان تصب جهدها لدعم هذا الوجب الوطني .