علي عرمش شوكت
الأثنين 1/1/ 2007
نقطة نظام حول مجريات العملية السياسية
علي عرمش شوكت - لندن
تحفل صفحات تاريخ العراق السياسي بالوقائع والمواقف والتضحيات الجسام التي يتم عمدا مع الاسف الشديد تجاهلها ، لكي لا تأخذ استحقاقاتها في اطارالعملية السياسية الجارية ، لكونها قد سجلت من قبل قوى وطنية مناضلة يتم التجاوز عليها بفعل تطبيقات ديمقراطية اقل ما يقال عنها انها خرقاء .
تحضرني هنا حكاية ريفية ظريفة وقعت في احدى قرى الريف العراقي يقول رواتها : ان احد الشقاة واسمه ( عبيد اربز ) والذي كان قد خرج توا من السجن اراد ان يتوب ويبدأ بعمل شريف ، فتفاهم مع اثنين من ابناء قريته على المشاركة في عمل يعتاشون منه كان احدهم من عشيرة الكطينات، والاخر من عشيرة ال شبوط ، وكان عملهم المشترك ، صيد السمك ، وذات يوم اصطادوا ثلاث سمكات ، واحدة ، من نوع الكطان ، والاخرى ، شبوط ، والثالثة ، من نوع البز ( سمكة حجمها كبير جدا ) وعند تقاسم الصيد تقدم ( عبيد اربز ) الشقي التائب مستلا خنجره من غمده قائلا : القسمة يجب ان تكون بالشكل التالي سمكة الكطان للكطيني وسمكة الشبوط الى ال شبوط ، و سمكة البز لعبيد اربز ! ، فهل ياترى ستبقى المشاركة في العملية السياسية وفق منهج (عبيد اربز) ؟ ، اي بمعنى ان من يمتلك القوة وبيده السلاح سيأخذ ما يريد بصرف النظرعما بذله من جهد لتحقيق وصنع ومساندة هذه العملية ، ووجوب توفر لديه الكفاءة المطلوبة للنهوض بمهمة ومسؤولية المشاركة .
ربما يعترض احد بالقول بان ما يتم هو نتاج الممارسة الديمقراطية ليس الا ، فهذا القول منطقي في ظاهره ، ولكن يتساءل اخر عن حقيقة تلك النتائج وتحديدا ما تمخضت عنه الانتخابات ، وهذا تساؤل مشروع ايضا ، لقد تجلت تلك النتائج على حقيقتها تماما عندما تحولت العملية الانتخابية الى عملية ( فصل طائفي وعرقي ) حيث جرى التجييش على هذا النحو فجاءت حصيلة كل طرف من الاصوات زلالية خالية من الشوائب ! ، بكلمة اوضح ، لايوجد اي صوت ( سني ) ضمن الاصوات المليونية التي حصل عليها الائتلاف الشيعي ! ، والعكس صحيحا بالنسبة للطرف السني ، وربما الامر كذلك بالنسبة للاصوات التي حصل عليها التحالف الكردستاني حيث لاتوجد ضمنها نسبة تذكر من الاصوات العربية ، مما مهد المناخ لتجلي ذلك على الارض ، وبات مادة تعامل يومي بيد القوى الارهابية والمليشيات التي تأبطت شرا للشعب العراقي ، فكان التهجير القسري الخطير، وكان القتل على الهوية ، وكذلك الطلاقات بين العوائل بصورة لاانسانية ، كل ذلك كان نتاج الفصل الطائفي المقيت الذي اسسه ( ملوك ) الطوائف ، ان نتائج الانتخابات لايمكن ان تكون معيارا يتحدد على اساسه دور ومكانة القوى السياسية العاملة في الساحة العراقية ، فمثلا : الحزب الشيوعي العراقي له باع طويل والريادة في النضال والتضحيات الجسام والمواقف الوطنية المشهودة منذ اكثر من سبعين عاما ، يتم اليوم تقيم دوره وفقا لنتائج الانتخابات التي اشرنا الى طبيعتها المختلة ، ولا يجري التعامل معه على اساس حجم تضحياته وتاريخه النضالي في اسقاط النظام الملكي الرجعي ، وكذلك اسقاط النظام الدكتاتوري ، حيث يستمر البعض في تجاهل تلك الحصيلة الكفاحية الهامة والمشرفة التي حاول الدكتاتور المقبور صدام طمسها بكافة الوسائل وحجبها عن معرفة اربعة اجيال قد ولدوا في فترة حكمه ، فمن يعرف من هؤلاء بان اول من بدأت بهم المقابر الجماعية ، هم الشيوعيون العراقيون ، واول من ( تأنفلوا ) في قطار الموت الشهير هم الشيوعيون ، واول من دفنوا وهم احياء هم الشيوعيون على اثر انقلاب اشباط الاسود عام 1963 ، ومن يعرف من هؤلاء بان الحزب الشيوعي العراقي هو اول من اعدمت قيادته ( يوسف سلمان يوسف – فهد – مؤسس الحزب ورفاقه ) بسبب قيادتهم لوثبة كانون ضد معاهدة ( بورتسمث ) الاستعمارية عام 1948 التي عقدت انذاك بين الحكومة الملكية الرجعية والحكومة البريطانية الاستعمارية ، فليس من الغرابة في مثل هذا المناخ ان يتم مصادرة اواعتقال هذا التاريخ وشطب تلك التضحيات، لانها قد غيبها نظام الاستبداد السابق ، حيث كبس تاريخ العراق ليكون تاريخ حزب البعث لا بل تاريخ صدام فحسب .
نأتي بهذا المثل لكي لاتستمر محاولات طمس تضحيات القوى الديمقراطية والوطنية والقوميةالاخرى ، من خلال عراضات التجييش الطائفي والعرقي ومن ثم الركون لنتائجها باعتبارها المعيار الاساسي في المشاركة لبناء العراق الجديد ! ، ان النوايا المعلنة وغير المعلنة لتشكيل اصطفافات وتكتلات جديدة سوف لن يحالفها النجاح اذا ما ظلت تستند على نهج المحاصصة السابق ، الذي اوصل الامور الى حد دخول المحاصصة حتى الى ديباجة الدستور ، حيث اشير الى الاضطهاد بذات النفس ، فورد في الديباجة ( مستذكرين مواجع القمع الطائفي ... ومستنطقين عذابات القمع القومي ) وقد تم تجاهل القمع السياسي لاصحاب الرأي المخالف والذي ذهب من جرائه الاف الشهداء من مختلف فئات الشعب العراقي وعلى مدى تاريخ العراق السياسي .
ان للحرية ثمنا يدفعه المناضلون في سبيلها ، فلايجوز اقصاؤهم اوتحجيمهم بدافع الاستحواذ والهيمنة المنطلقة بكل تأكيد من منبع دكتاتوري قد يكون من طراز جديد ، لقد شهدنا سياسة الاستبداد و الاستحواذ وعشناها طيلة اربعين عاما مضت،وبكل جلاء تصل اليوم الى مثواها الاخيرالذي لابد من ان تصل اليه ، والى مصير بأس الت اليه نهاية فارسها ( الدكتاتور الضرورة ) والتي هي الاخرى حتمية الحصول ، ان اعدام صدام يقدم درسا بليغا للذين لازالوا يتمسكون بنهج اقصاء الاخر والاستحواذ على مراكز القرار السلطوي .
ومن المعروف قطعا ان الناخب وفي اي بلد من بلدان العالم لا يبقى ثابتا او متفرجا على ما يحصل من اضرار لمصالحه وهو الذي يأمل من النائب الذي ينتخبه بان يحقق له هذه المصالح ، او في اقل تقدير يحافظ على المكاسب التي قد حصل عليها مهما كان مضمونها ، وعند فحص ما جرى ويجري خلال السنوات الاربع الماضية ستحصل القناعة التامه بان المواطنين قد خسروا حتى ما كان موجودا من اشباه الحقوق في مجالات الحياة المختلفة ، ولايغرب عن بال احد ان ما تجسد على ارض الواقع من تدهور على كافة الصعد يجعل المواطن العراقي يرفع يده بنقطة نظام ، ولسان حاله يقول قد انتخبناكم يا نواب الشعب في سبيل ان تحققوا لنا ما نحتاجه من مستلزمات العيش الامن وتصونوا سيادة الوطن، ولم ننتخبكم لتتفرجوا على موتنا اليومي الذي اذا لم يكن بسبب الارهاب والمفخخات الطائفية ، وصراعات سياسية على مراكز السلطة والتي ليس لنا فيها لا ناقة ولاجمل كما يقال ، فهو حاصل بسبب العوز والجوع والخوف والمرض الذي جلبه القائد السلف وبقى يكرسه القائد الخلف ، هذا وناهيك عن مصير العراق شعبا ووطنا والذي بات تحت رحمة اعدائه للاسف الشديد .