علي عرمش شوكت
الثلاثاء 1/1/ 2008
الراصدمؤسسات القطاع العام في ذمة الخصخصة
علي عرمش شوكت
استغل البنك الدولي الاوضاع المضطربة في العراق والحاجة الماسة لاعادة بناء الدولة ، ليجد فرصته السانحة بفرض سياسته الاقتصادية ذات النمط الرأسمالي الاستغلالي ، على حساب معيشة الجماهير وبخاصة الكادحة منها ، لقد عكست مرايا عام 2007 في العراق بعض الصور المقرفة التي فرضها البنك المذكور ، ومن اول ما استطعنا تلمسه ، بل مشاهدته حيث تبنته وزارة النفط العراقية للاسف الشديد ، تلك الزيادات على اسعار المشتقات البترولية وتحديدا مادة البنزين ، مما انعكس سلبا وبصورة مباشرة ، بمزيد من التدهور على الاحوال المعيشية لاوساط الواسعة من المواطنين ، لاسيما تلك التي تعمل في قطاعات النقل الخاص ، هذا ما تحمل العراقيون اعباءه ، بفعل التدخل المباشر من قبل ادارة البنك الدولي ، حيث اكدته الحكومة العراقية في معرض توضيحها لدواعي زيادة اسعار المشتقات النفطية .
بيد ان من غير السهل تلمسه ذلك الذي يتم خلف الكواليس ، والذي يطفح في بعض مفاصل الاقتصاد العراقي التي تحتاج الى معالجات ، وعلى سبيل الذكر مصانع القطاع العام التابعة لوزارة الصناعة والتي تعد بالمئات ، وهي بحكم المنهارة بسبب الحروب ، وما ترتب عليها من حصار جائر، وفساد منفلت قبل سقوط النظام الدكتاتوري وبعده ، حيث لاتجد في هذه الايام من يدعمها ويعيد حركة الانتاج فيها الذي ينطوي على فائدة مزدوجة ، بمعنى مد السوق العراقية ببعض حاجاتها والمساهمة بتطوير الاقتصاد العراقي ، وكذلك توفير عشرات الالاف من فرص العمل للعاطلين وهم كثر في الظرف الراهن ، غير ان الذي يحصل وبسبب النهج الاقصادي المتبع و المنساق وراء سياسة البنك الدولي ، هو ترك هذه المصانع ( للتطوير الذاتي ) ! ، والغرابة في الامر ،ان تأخذ الحكومة على عاتقها مهمة اعادة بناء البلد وتخليصها من القيود والديون الاقتصادية السابقة ، وتسعى في ذات الوقت للحصول على قروض من البنك الدولي وبشروط اتعس من السابقة واكثر تدخلا في الشؤون الداخلية للبلد ، فضلا عن كونها مقيدة لتوجهات الاقتصاد العراقي الوطني .
ان اول ما تتطلبه عملية اعادة البناء هو الاهتمام بعناصر التنمية الاساسية ، اي القوى المنتجة ، اليد العاملة وتحديث وسائل الانتاج ، لكنه لم يلمس اي جهد يبذل في هذا الميدان من قبل الجهات المعنية ، انما يوجد العكس ففي الوقت الذي تترك مصانع القطاع العام ووسائل الانتاج المتقادمة المتداعية ( للتطوير الذاتي ) حسب قرار وزارة الصناعة ، تترك ايضا القوى العاملة في ميدان البطالة ، ويزيد ذلك غرابة العمل الحثيث لتعطيل فاعلية النقابات المهنية والاستمرار في حجز اموالها والتمسك بالقرارات المجحفة التي اتخذها النظام السابق بحق ( الطبقة العاملة ) حيث الغاها وحول العمال الى مجرد موظفين في الاسم فقط ، من دون ان يساوي بينهم وبين الموظفين في الاستحقاقات والضمانات التقاعدية وغيرها ،ان الاهمال لمصانع القطاع العام لاتعني سوى تركها ( للتدمير الذاتي ) وليس ( للتطوير الذاتي ) لكونها غير مؤهلة للعمل اصلا ، وغير مواكبة لتطور الصناعات المماثلة المستوردة التي فتحت امامها ابواب الاسواق العراقية على مصارعها ، ولم تصاحب ذلك اية موازنة تجارية تحمي الصناعات الوطنية ، ومع هذا يقول بعض العاملين في تلك المصانع ( نحمد ربنا لانها مازالت غير مخصخصة )، وبالمناسبة فأن الزحف جاري لخصخصة مؤسسات ومصانع القطاع العام ، وقد وصل اخيرا الى وضع (الاسواق المركزية ) التابعة للدولة في المازاد لبيعها ،اي انها وضعت تحت رحمة الرأسمال والاستثمارات الاجنبية التي ستستحوذ عليها وذلك بحكم قدرتها الفائقة على مزاحمة الرأسمال العراقي الخاص ، الذي لا يأمل بالحصول على نصيب منها .
وهنا لسنا بحاجة الى عراف لمعرفة الدوافع التي تؤدي الى الغاء الانشطة الانتاجية التابعة للدولة في العراق ، فهي بلا ريب استجابة لمتطلبات السياسة الاقتصادية الرأسمالية ولنهج العولمة في جوانبه الضارة ، التي يتصدرها البنك الدولي والمؤسسات المماثلة له الاخرى ، والتي لها ( رجالها ) المتنفذون في الحكومة العراقية ، فينبغي الا تغيب عن بال احد الاثار المدمرة الناجمة من جراء سياسة الخصخصة غير المدروسة جدواها ومنافعها ، ليس للاقتصاد الوطني فحسب ، وانما قبل كل شيئ لتحسين ولتطمين الحياة المعيشية الكريمة للشغيلة ، ان هذه المهمة يقع تحقيقها على عاتق العمال ونقاباتهم المناضلة بالدرجة الاساس ، وكافة القوى المؤمنة بالعدالة الاجتماعية ، والساعية الى تطوير وتنمية الاقتصاد الوطني ، وعلى جهد المدركين لمساوئ سياسة الاستغلال الرأسمالي المنفلت .