علي عرمش شوكت
السبت 20/12/ 2008
ثغرة { الدفرسوار } في دفة الحكم !!علي عرمش شوكت
كانت ومازالت العملية السياسية في العراق بحاجة الى صيانة بل وحراسة شديدية ، ليس لكونها مستهدفة فحسب انما لضعف التماسك الداخلي بين مكوناتها ، ومن ذلك ما قتل ، فلا يغيب حتى على من يحبو في السياسة تشخيص نقاط ضعفها والتي تشابه { ثغرة الدفرسور } التي استغلها الجيش الاسرائيلي حينذاك واخترق الجبهة المصرية ، وعند التأشير على مكامن الوجع في هذه العملية يصاب المرء بالحيرة ويعتريه الغضب حقاً ، ان بعض المسؤولين يبدو وكأنه غير مسؤول عن مصير هذا البلد ، فهو مازال يعمل بنفس المعارضة ولم يتزحزح عن تلك المواقع بالرغم من انتقاله الى القصور الرئاسية ومعبئ بالسلطات التنفيذية والتشريعية وصلاحيات حاسمة اخرى ، وما يزيد القلوب حرقة هو انه في الوقت الذي تنجلي فيه الغمامة العاصفة في الصف الوطني الشعبي ، وينتهي التخندق الطائفي ، ويعود المهجرون الى مساكنهم ، وتتماسك الالفة الاجتماعية بين ابناء الشعب العراقي ، في هذا المنعطف الذي تجاوزته العملية السياسية بصعوبة بالغة وتضحيات جسام ، تبرز الخلافات بين اطراف كتل النخبة الحاكمة ، لا بل حتى بين الكتلة الواحدة منها .
لاشك ان من ابرز مباعث هذه الخلافات هو قرب موعد انتخابات مجالس المحافظات ، الامر الذي جعل الصراع محتدماً على مواقع النفوذ التي وجدها البعض مرتعاً فردوسياً ، حيث منحتهم قدرة الهيمنة على السلطات المحلية وتكريسها واستثمارها لتمرير مشاريع خاصة حزبية وفئوية ضيقة ، ان هذا الصراع الذي يبدو تناحرياً للاسف الشديد يخلق مناخاً مشجعاً للفوضى والانفلات ، وتنمية ثقافة الدسائس والايقاع بالاخر ، وذلك ما ظهر في الاخبار مؤخراً حول مؤمرات انقلابية مزعومة سرعان ما فندتها وزارة الداخلية ، وكذلك الالاعيب السياسية في الدعوات المعزولة لاقامة اقاليم سيئة الصيت ، ان اية ازمة في القمة لابد ان تعكس حالها على القاعدة ، واذا ما كانت الصراعات في القيادات لاتخلو من بعض الحسابات والقدرة على الفرملة ، فان ازمة القواعد اي نفاذ صبر الجماهير المتضررة تسودها في الاغلب روح التمرد واقتحام المجهول ومن دون خشية ، وذلك يوم الحساب لمن لايتدارك الامر بتعقل ممن تقع على عواتقهم المسؤولية عن مصالح الشعب والوطن .
والغريب جداً ان مفهوم الاتعاظ من احداث وكوارث الماضي وما آل اليه النظام المباد والذي مازالت المحاكم الجنائية تجري لمحاكمة عناصره ، تغيب هذه المفردة عن قواميس الاوساط المتصارعة ، وهنا يمكننا ان نشير الى ان وسائل التضليل الفكري والسياسي يمكن لها ان تدفع الامور على عواهنها شوطاً من الزمن ، بيد انها لن تقوى على الاستمرار ، لأن تنامي وعي الجماهير المتحرك بفعل حاجاتها الحياتية الملحة ، ودوافعها الوطنية النبيلة ، سيخلق لامحال مناعة لديها تقيها عواقب ذلك التضليل والاستغلال ، ومن الواضح وعلى لسان ابن الشارع العراقي تظهر بصورة مجسمة اليوم اصوات تؤكد على خيبة الامل بمن تم انتخابهم ولم يحققوا شيئاً يذكر لناخبيهم ، حيث بقيت تمشي الامور على قاعدة النظام السابق التي يتم فيها توزيع المنافع والفرص الذهبية من عقود واستثمارات ووظائف مرموقة على حواشي الاوساط المتنفذة ، وبهذه فقط غابت عنهم عقلية المعارضة التي كانت تطالب بالعدالة والمساواة ولم يكونوا سوى صورة منسوخة عن السلطة الغاشمة المبادة .
وجاء التفاوض حول الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة الامريكية ليسفر عن حالة سياسية مزرية تسود الوضع السياسي العراقي ، حيث الابتزاز الرخيص ، والتعامل المثقل بالنفاق ، وسيادة المذهب الفاشي { الغاية تبرر الوسيلة } الذي سحب البعض من السياسيين بعيداً عن الهموم الوطنية العامة للاسف الشديد ، مما اظهر كونهم عباد ذواتهم ومصالهم الضيقة ، ولسان حالهم يردد قول الشاعر - اذا مت ضمئاناً فلا نزل القطر - ، الا يشكل ذلك ثغرة خطيرة تهدد بانهيار العملية السياسية برمتها ؟، وقد شهدت فترة التفاوض تلك مناسبة اميط بها اللثام عن وجوه حقيقية بشعة لبعض السياسيين كانت مخفية وراء عناوين لها اعتباراتها ، اما المزايدات السياسية الخاوية فكان لها النصيب الاوفر ، لا نكشف سراً بان اعتمادها من قبل البعض جاء كوسيلة للكسب وللضغط والمناورات وادارة الصراعات على نحو يجافي مصالح الشعب العراقي بالمطلق ، وربما قد حصل من مارسها على بعض المكاسب السياسية ، كثمن مقابل قبول الاتفاقية الامنية ، ولهذا ومن حينها لم نسمع بتلك الاصوات التي كانت ترتفع عالياً لرفض الاتفاقية المذكورة .
ولم يتوقف ظهور الثغرات في مجريات الحالة السياسية العراقية ، فكلما رممت واحدة طفحت اخرى ، ويمكن ان نقول كان اخرها وليس اخيرها حصول اشتباكات كلامية ومشادات ساخنة في مجلس النواب ، مما ادى الى مطالبة كتلة التحالف الكردستاني باستقالة رئيس البرلمان محمود المشهداني ، فهل ستحل الامور بالاقالات ؟ ، الا يدل ذلك على انعدام القدرة على حل الاشكالات بالحوار والاقناع لاسيما في مؤسسة وجدت لحل مشاكل البلد ؟ ، هذا وناهيك عن مشاريع القوانين المعطلة ، التي تتوقف عليها حياة المجتمع العراقي ، وفي مطلق الاحوال يبقى العراق وشعبه في ذمة رجال العملية السياسية المتنفذين المتحررين من القيود المصلحية الذاتية والخارجية .