علي عرمش شوكت
الأربعاء 20/2/ 2008
الراصدالمقدمات الضرورية لحكومة البناء الوطني
علي عرمش شوكت
غدا لم يسمع في الاونة الاخيرة ذلك الحديث الساخن الذي كان يدور حول التحالفات التي عرفت باسمائها العددية ، اي التحالف الرباعي و الخماسي و السداسي ، وليس الامر بغريب اذا ما عرف بأن فكرة اعادة تشكيل الحكومة قد استحوذت على مساحة الحراك السياسي ، وباتت تأخذ الصدارة في اهتمام كافة الاوساط السياسية العراقية ، ومع وجود اختلاف في الرؤى غير ان ذلك لم يحل دون الاتفاق على ضرورة اعادة التشكيل ، ولكن ذلك لاينفي وجود وجهة اخرى تدعو الى اسقاط الحكومة الحالية ، وتشكيل وزارة جديدة عابرة للاستحقاقات الانتخابية حتى بالنسبة الى رئيس الوزراء ، الا ان ذلك لم يحظ بالتأييد اللازم من قبل الكتل السياسية الاساسية ، التي تميل في الغالب الى اعادة التشكيل وبرئاسة السيد نوري المالكي تحديدا، وربما يكون هذا الموقف لدى هذه الكتل نابعا من التجربة السابقة في بداية تشكيل الحكومة الحالية ، الذي اخذ من الوقت اكثر من ثلاثة شهور تخللتها تجاذبات وصراعات حول المواقع والوزارات (السيادية) وغيرها ، كما يضاف الى ذلك الخشية من ضياع عوائد المحاصصات التي درت على اصحابها بمكتسبات مجزية .
يدور الجدل حاليا في اروقة الدوائر السياسية العراقية حول معالجة الحالة الحكومية المتدهورة ، ومن الحسنات هي تلك القناعة الحاصلة لدى الجميع بأن التشكيلة الحكومية الحالية والتي قامت على قاعدة المحاصصة قد فشلت ولابد من التغيير ، ومع ان هذا التوجه له مؤيدوه وله دواعيه الضاغطة غير انه يفتقر الى المقدمات الضرورية ، والمتمثلة بالطلاق التام مع المحاصصة ووضعها على الرفوف العالية ، واطلاق حرية اختيار الوزراء على قاعدة المشاركة الواسعة في العملية السياسية ، واعتماد الكفاءة والنزاهه دون التقييد بالاستحقاقات الانتخابية ، والبحث عن القدرات المنتجة بمعنى ان يتم اختيار حكومة انجازات وليست حكومة مساومات ، كل ذلك يهيئ فضاءا يخلو من تلبد الارادات المتنفذة ، ويفترض ان يجري فيه الاختيار على اساس الشخص المناسب في المكان المناسب ، ولابد من ان يشعر الجميع بأن المشاركة في الحكومة الجديدة هي مشاركة في عملية البناء ، تتبارى فيها الكفاءات الحقيقية للحد الذي يسمح فيه لشخص مستقل او من كتلة صغيرة اكفأ من غيره ان يكون وزيرا لوزارة ( سيايدية ) كما يسمونها ، لأن كل الوزارات هي سيادية ، ولكننا نعني هنا بان يكلف النفط او الخارجية او المالية مثلا .
ان كل ما تقدم من اسس مطلوبة لتشكيل حكومة الانجازات المنتظرة لايعني عدم وجود الكفاءات لدى الكتل الكبيرة ، غير ان تجربة الخمس سنوات الماضية اثبتت بالدليل الملموس ان اجود كفاءات هذه الكتل قد زجت في التشكيلات الحكومية السابقة والحالية، غير انها تعثرت في مهامها والسبب يعود الى ان اغلبها قد تصرف على انه مالك للوزارة وليس موظفا فيها ويؤدي واجبا وطنيا ، وعلى هذا الاساس راح يعين ويفصل ويغير حسب ارادته الشخصية وتوجهات حزبه ، الامر الذي ادى الى افراغ الوزارات من معظم الكفاءات واصحاب الخبرة ، هذا وناهيك من غلق ابواب التوظيف بوجه الكفاءات المستقلة ومن الاحزاب الصغيرة ، ولم يقف الامر عند هذا الحد وانما وصل ببعض الوزراء الى تغيير حتى المراسل البسيط ، ومقابل ذلك راح يتخم المؤسسة او الوزارة بالمقربين وتحديدا من اعضاء حزب الوزير او من كتلته البرلمانية متجاوزا كافة المستمسكات المطلوبة للتوظيف .
وينبغي ان ياتي العامل الاكثر اهمية لنجاح الحكومة والمتمثل بالبرنامج الذي تعتمده على رأس المقدمات الضرورية التي ينبغي ان تسبق التشكيل الجديد ، لا بل يعتبر الضرورة الاولى ، لاسيما اذا ما كان البرنامج يعنى بمعالجة الازمة الخانقة في العراق ، ويكون ملزما بتبني تحقيق الامن ،والمصالحة الوطنية ، وتوفير الخدمات ، ومعالجة البطالة ، وانهاء ازمة السكن، والحفاظ على امول الشعب العراقي بالقضاء على الفساد والمفسدين ، واستكمال السيادة وانهاء الاحتلال ، وتطهير البلد من الاختراقات الاقليمية والاجنبية ، والحفاظ بكل حرص على الحريات العامة والخاصة ،وتعزيز الديمقراطية في كافة مفاصل الدولة ، كما لاتقل اهمية الآلية التي يدار فيها عمل الحكومة ، وما ينبغي ان يؤكد عليها في هذا الامر ، هي مدى مساحة المشاركة في اتخاذ القرار ، هذا من ناحية وصلاحية الوزير في التصرف وادارة وزارته من ناحية اخرى ، اما رئيس الوزراء فتأتي في مقدمة سماته المطلوبة ان يحكم باسم الشعب العراقي ، وليس باسم حزبه وابسط ما يجسد ذلك على الواقع هو ان لا يكون طاقم مكتبه حكرا على اعضاء حزبه او كتلته الطائفية او العرقية ، اذ ان هذا المؤشر سيحدد اولوية انتمائه لحزبه ام لشعبه ، وبالتالي الحكم على صلاحيته لهذا المنصب وقدرته على قيادة سفينة البلاد الى شاطئ الامان .