علي عرمش شوكت
الأثنين 21/1/ 2008
الراصدالف حسرة وحسرة عليك يابصرة
علي عرمش شوكت
منذ ان اسسها (عتبة ابن غزوان) في القرن الرابع عشر الهجري ، عام 635 ميلادي ، قبل بناء الكوفة بستة اشهر ، كانت مدينة البصرة بحماية اهلها معززة مكرمة ومصانة كرامة سكانها ، الذين كانوا على مدى عمرها يألفون اسرة بصرية واحدة ، متضامنة محافظة اذا مست احدى مكوناتها هبت للدفاع عنها باقي المكونات مع كونها مختلفة الاديان والمذاهب والنحل والطبقات الاجتماعية ، وبفضل هذا التكاتف الحميمي صنع البصريون العراقيون لمدينتهم مميزات خاصة رغم كونها ميناءا مفتوحا على العالم ويكثر الوافدون عليها من كل حدب وصوب ، ولكن ظلت العادات والتقاليد البصرية راقية ومميزة ،كانت تجارتها وزراعتها وكافة خيراتها وريعها مميزة بسمات بصرية خاص، وكان اكثر ما يميز مدينة البصرة هوعطاؤها الثر من خير بلا حدود ، و كذلك تلهف ابنائها لاستيعاب العلوم الحديثة وما يستجد من الحضارات الاخرى ، وكانت على مدى تاريخها ساحة رحبة لظهور الحركات الفكرية ، غير انها كانت حركات تنزع نحو التقدم والتحديث .
نجمل القول ولا نجمل الصورة ، فالبصرة جميلة بطيبة اهلها وبخضرتها ومياهها وذهبها الاسود وباسقات نخيلها ، حيث قال فيها الشاعر ابي عيينة المهلبي (ياجنة فاقت الجنان فما يعدلها قيمة ولا ثمن .. الفيتها فاتخذتها وطنا ان فؤادي لمثلها وطن)، انها سلة خبز وادي الرافدين لكنها كانت محرومة طيلة عهود الاستبداد ، وعندما جاءت الحرية بعد سقوط الدكتاتورية اصبحت البصرة ينطبق عليها القول (ان المال السائب يشجع على السرقة) ، لم تعرف هذه المدينة يوما ان البعض من اهلها قد اساء اليها ، وحتى في ظل سيادة الظلم ، لاتجد حاكما او محافظا لها من ابنائها البصريين ، بل ينصب عليها من ابناء المحافظات الاخرى لان اهلها ليسوا قساة على بعضهم حتى وان اختلفوا ، هذا على الاغلب الاعم مع وجود الاستثناءات طبعا، ولكن اليوم نسمع في البصرة صرعات طاحنة بين سكانها ، امر غاية في الغرابة ، لم يشهد تأريخ هذه المدينة له مثيلا ، بيد ان اهلها يصرون حينما تسألهم عما يجري ، فيقولون لسنا نحن اهلها الذين نتصارع ، بل بعض سكانها والفرق معروف بين الاهل الاصليين وبين السكان الوافدين الغرباء الباحثين عن الذهب البصري .
اذن ما الذي يجري في ثغر العراق واطلالته الوحيدة على الخليج ؟ سؤال بحاجة الى جواب شاف ، فاذا كانت البصرة قد باتت هشيما وفي ظل حكومة مركزية ، وعرضة للحريق بنيران مستهترة منفلتة لقوى متصارعة على المغانم البصرية المغرية ، فماذا سيحل بالبصرة واهلها لو وقعت تحت رحمة حكومة اقليم ؟ ! ، والعلم عند اهل العلم من سيسيطر على قيادته ، وكيف سيتعامل مع اهلها الذين تتعرض نساءهم اليوم الى القتل ، والخطف لغرض بيعهن في بلدان الخليج والعهدة على وكالات الاخبار التي اوردت هذا الخبر ، قال لي احد اصدقائي البصريين ان مدينتنا غدت كالفتاة الجميلة الغنية الشريفة التي لاتسلم من الاذى ، حيث العديد من الطامعين لايتركونها بحالها ، فالعتب واللوم على من هو مسؤول عن حمايتها ، والمقصود الحكومة التي تعرف جيدا بهذه العصابات المنفلتة والتي تعمل بالعلن تحت واجهات دينية لايجمعها اي جامع مع الدين الاسلامي الحنيف ، وتظهر بمسميات غريبة ، كما تمتلك مقرات وتفرض شرائعها بالقوة ، وتقتل النساء وتأخذ الاتاوات ولها حتى معسكرات تدريب ، ولا احد يحرك ساكنا الا في حالة واحدة عندما تمس سلطة الحاكمين ، حينها فقط يتم قمعها ويطلق عليها (الفئة الضالة) ، فلماذا لم تسمى هذه الجماعات والمماثلة لها بانها فئات ضالة عندما تتعدى على حرية الاهالي وتتجاوز على القوانين بل وتفرض قوانينها التكفيرية و تقاليد وسلوكيات غير عراقية ؟ .
والاحداث الاخيرة في محافظتي البصرة والناصرية قد كشفت عن واحدة من هذه التشكيلات المتطرفة ، ولكن بعد ان تجاوزت الحدود الموضوعة لها كما يبدو ، فما هو الموقف من المنظمات المتطرفة الاخرى والتي تعد بالعشرات ومازالت تتصرف بشيئ من التستر ببراقع دينية لاتتقاطع مع مصالح النخب المتنفذة ؟ ، مع كونها لم تكف عن الاستهتار بحرية وحقوق المواطنين ، فلا احد يمسها ما دامت لاتمس حدود سلطة اصحاب القرار ، ولاندري ماذا سيطلق عليها من تسمية في المستقبل حينما يأتيها الايعاز وتنفلت من عقالها وتقوم بعمل كارثي كما حصل في التاسع من محرم الحرام وعلى التولي في سنة 2007 وسنة 2008 حيث كانت النتائج هي مئات الضحايا من المواطنين جلهم من الفقراء المضللين بكل تأكيد ، واحسرتاه على هؤلاء ضحايا الغدر الفكري ، حيث الالاف منهم مازالوا لم يكتشفوا مكامن الخطر ، ويذكرني ذلك بقول للشاعر المهلبي (فياندمي اذ ليس تغني ندامتي ... وياحذري اذ ليس ينفع الحذر) ، والف حسرة وحسرة لابل مليون حسرة عليك يابصرة الخير .