علي عرمش شوكت
الأثنين 22/3/ 2010
تشكيل الحكومة العراقية بين الحاصل والفاصلعلي عرمش شوكت
مفوضية الانتخابات المستقلة وكذلك قانون الانتخابات يفترض ان يكونا الضمان الثابت لحماية حقوق الناخب العراقي من اي تلاعب ، وبذلك تنمو وتصان وتعزز الحياة الديمقراطية في البلاد ، وهذا ما عوّل عليه الناخب العراقي ، الذي خرج متحدياً كافة المخاطر والصعاب ، واضعاً قبلته صناديق الاقتراع ، وادلى بصوته املاً بحصول التغيير عبر تشكيل البرلمان والحكومة الجديدين ، ولكن ما ان بدأت العملية الانتخابية حتى برز للعيان شبح المحاصصة المقيتة معشعشاً في اداء المفوضية ، بدءاً من تعينات الموظفين ومسؤولي مكاتب الاقتراع ، الى السلوك الاداري الذي يتسم بالتجاوز حتى على الحقوق الدستورية ، اما قانون الانتخابات سيئ الصيت والمنسجم الى حد بعيد مع الاداء المزاجي للمفوضية ، فهو الاخر قد اسس لدكتاتورية الكتل الكبيرة رغماً عن انف الدستور .
وقد اخذت مظاهر التعددية بالانحسار كنتيجة منطقية لمصادرة القواعد الديمقراطية ، وابرز تجليات ذلك ما حصل من اختلاس لاصوات القوائم غير الحاصلة على القاسم الانتخابي ، وكذلك اعطاء المقاعد التعوضية الى القوائم الكبيرة بعد ان كانت من حصة القوائم الصغيرة ، وشطب عشرات الاف الاصوات التي تعود للكيانات الصغيرة بحجج واهية ، اما العد والفرز فقد ظهرت النتائج بصور لا تتطابق مع ما سجله ممثلو الكيانات في العديد من مكاتب الاقتراع ، ومن جراء ذلك راحت حتى القوائم الفائزة تشكك بالنتائج التي تعلن ، مما حدا اغلب القوائم وبخاصة الفائزة منها الى المطالبة باعادة فرز الاصوات .
ان هذا الحاصل قد ابعد الحد الفاصل ما بين النتائج النهائية وتشكيل البرلمان ، وبمعناه الواضح قد دفع تشكيل الحكومة الى مسافة خلفية ، يبدو غير مقدر بُعدها الزمني ، وربما ليس بالمستطاع التكهن بما سيترتب على ذلك من عواقب سيدفع ثمنها الشعب الذي انتخب هذه الكيانات التي لاتجازيه عادة الا بانتاج المزيد من المشاكل ، التي مبعثها قطعاً تصادم المصالح الحزبية والفئوية الضيقة ، وفي ظل هذه الجلبة يمضي متسارعاً سباق الارقام بين القوائم المتصدرة نحو هدف الوصول قبلاً الى استلام راية تشكيل الحكومة ، ولكن دون ان يضع المتسابقون في حسبانهم بان حسم هذا الامر ليس بحصول قائمة معينة على اكبر عدد من الاصوات ، وانما بحصول ائتلاف اكبر عدد من الكيانات الفائزة في داخل البرلمان ، وفي ركاب ذلك صار دخان التصريحات المشتعلة بين الكتل المتنافسة يضيق انفاس المواطنين ، مما يبعث على عدم الاطمئنان بقرب تشكيل الحكومة .
ان نصيب من يريد تشكيل الوزارة الجديدة مرهون بحصوله على قناعة القوائم الفائزة ، وهنا لابد من التذكير بان تجربة المالكي تتشابة كثيرا مع تجربة الجعفري ، الذي لم يؤسس علاقة سليمة مع الكتل الاخرى ، الامر الذي دعا تلك الجهات الى الاصرار على استبداله مع ابقاء منصب رئيس الوزراء من حق حزب الدعوة ، وما اشبه اليوم بالبارحة حيث يعاني المالكي من علاقات مع الكتل السياسية يشوبها التصدع وتخلو من شحنة القبول به لترؤس الحكومة المقبلة ، ولكن ليس ثمة اعتراض على ان تكون هنالك شخصية اخرى من حزب الدعوة لهذا المنصب ، هذا ما تطرحه اغلب الكتل ، اما بخصوص اياد علاوي فهو يقيّم ضمن كتلته ، التي توجد خطوط حمراء على بعض اطرافها ( الكتلة العراقية ) لكونهم ممن لا يخفون امالهم بعودة البعث الى الحكم ، اي بمعنى من المعان عودة الدكتاتورية وحكم الحزب الشمولي الواحد ، وهذا مبعث الخشية على مستقبل العملية السياسية لدى كافة الكتل التي لا تخفي التعبير عن هذه المخاوف .
وفي خضم هذا الاضطراب السياسي الذي يلف العملية السياسية في العراق ، والذي يأتي معاكساً لارادة العراقيين ، الذين تحدوا مختلف الصعاب ، ومارسوا حقوقهم الديمقراطية واتمّوا العملية الانتخابية ، في هذا المناخ الرمادي يستطيع المتابع السياسي ان يلمح احيانا في الافق تحركاً لحلحلة الازمة ، ولكنه ضمن اكثر من سيناريو محتمل ، وان الاقرب منها الى الظهور هو اعادة توحد كتلة الائتلاف الوطني وكتلة ائتلاف دولة القانون بوجود شخصية غير المالكي لتشكيل حكومة اغلبية برلمانية ، اما السيناريو المحتمل الثاني هو التحاق التحالف الكردستاني بالائتلافين وتشكيل حكومة وحدة وطنية ، وفي هذه الحالة ليس امام الكتلة العراقية الا ان تبقى على رصيف المعارضة البرلمانية ، اذ انها لا تمتلك اساسات متينة مع باقي القوائم تؤهلها لمهمة تشكيل الحكومة حتى وان حصلت على اصوات اكثر من غيرها .