علي عرمش شوكت
الخميس 22/1/ 2009
قضية الشعب العراقي .. لماذا صارت استثناءً ؟!!علي عرمش شوكت
سؤال غدا على لسان كل مواطن مخلص للعراق ولشعبه المنكوب ، كان وما زال هنالك عرف لدى الشعوب والامم يأخذ سياقه في التطبيق ازاء اي شعب يتعرض للكوارث والمحن ، ولكن العراق يبدو هو الاستثناء في قاعدة تطبيق هذا العرف ، فمنذ زمن بعيد والشعب العراقي تسحقه طاحونة الكوارث والحروب والمصائب التي جلبتها عليه الانظمة الدكتاتورية والعدوان ، ثم جاء التغيير الذي حصل باحتلال وبارادة خارجية منفردة لتشكل تبعاته ونتائجه الكارثة الكبرى ، وتبعاً له نرى المعادلة قد انقلبت فقد هبت دول وجماهير عربية واسلامية شقيقة لتطلق على العراق رصاصة الرحمة !! ، هذا بدلا من ان تُرسل المساعدات لمعالجة جراحه .
وكانت رصاصاتهم عبارة عن سيارات مفخخة وقطعان من الدواب اشباه البشر { الانتحاريين } ، الذين اطلقوا عليهم اسم { المقاومة } مما جعل هذا الاسم الثوري المتألق في ميدان الكفاح الوطني للشعوب ، يتمرغ بالعار والشناعة ، لكون رصاصهم الغادر استهدف افقر وابسط فئات المجتمع العراقي من عمال المساطر الفقراء ، وكسبة الاسواق الشعبية ، والطلبة ، والنساء وغيرهم ، ممن لا حول لهم ولا قوة ، وبذلك تحولت { مقاومتهم } الى اداة لردع الشعب العراقي عن اعتناقه للديمقراطية و تشبثه بالحرية التي طالما حلم بها طيلة عقود من الزمن منذ انشاء الدولة العرقية ، ما عدا الزمن الجميل اي بعضاً من عمر ثورة 14 تموز 1958 المجيدة .
بيد ان انهيار سدود وانفلات حدود العراق ادى الى طغيان التدخل السافر ، وسبي الشعب العراقي ومحاولات تمزيق لحمته الوطنية ، مما حوّل طعم الحرية الى علقم ونسائم الديمقراطية الى زوابع ملوّثة بغبار الطائفية والاثنية المتخلفة ، والاشد مرارة ان يتم خلع فقرة الانتخابات من العمود الفقري للنظام الديمقراطي المتكامل المفترض اعتماده ، وتطبّق في ظرف تسود فيه غيبوبة ثقافية ضاربة في قاع المجتمع العراقي ، وبخاصة الفئات الفقيرة منه وهي ما اوسعها ، وتحسب نتائج تلك الانتخابات جزافاً كونها المعبر عن ارادة الشعب العراقي !! ، اللوم وباشده على من ثبّت هذه القاعدة المختلة ، اذاً على من يراها جسراً مهدماً في طريق الحرية ، ان يخوض غمار اعادة بنائها لكي يعبر شعبنا الى الحياة العصرية الحضارية الجديدة ، وبذلك سيحبط غايات اؤلئك الذين استخدموا الانتخابات كوسيلة مجردة للوصول الى مواقع السلطة واستخدامها للاستحواذ الشخصي ، وما لبثوا اليوم يحاولون تكرار ذلك مستغلين جهل الناخب الذي منحهم صوته في المرحلة السابقة بغفلة ناتجة عن مؤثرات شديدة الوقع على الجماهير البسيطة .
وكما يقال ان التجربة تنتج الادلة ، وكانت تجربة شعبنا مع حصيلة الانتخابات الماضية سواء على صعيد مجلس النواب او في انتخابات مجالس المحافظات قد اسفرت عن خيبة المنتخبين الفاشلين في معالجة الفساد و العوز والتخلف الثقافي والحضاري والفرقة المذهبية والعرقية ، وتغييب الكفاءات الوطنية ، وعدم المساواة والعدالة الاجتماعية ، وعدم توفير ابسط مستلزمات معيشة المواطن ، واعادة بناء الانسان العراقي بعد ان خربه نظام بربري اهوج ، لكنها في ذات الوقت بلور هذا الفشل الرؤيا لدى غالبية بنات وابناء شعبنا ويفترض انه قد ادلّهم على تلمس الطريق المفضية الى من يقودهم نحو الحياة الكريمة والعيش الآمن والحفاظ على ثروات البلد ووحدة كيانه شعباً وارضاً ، هذه قضيتنا الوطنية اليوم ولكن تقتضي هي الاخرى اعادة بناء ثوابتها ، التي تاتي في المقام الاول منها ، التمسك بالنظام الديمقراطي باوسع حذافيره ، وعدم اجتزائه وحصره في العملية الانتخابية فحسب ، لكون الانتخابات ماهي الا مفردة من مفردات النظام الديمقراطي ، ومع ضرورة احترام نتائج الانتخابات ، بيد انه ليس من الصواب التسليم بها كونها هي التعبير الواعي المطلق عن مصالح البلد الحقيقية ، لان معيار الفرز هنا هو عندما تؤدي هذه النتائج الى وضع العراق على سكة التطور والرقي والاستقلال وحفظ كرامة شعبه .
يتفق القاصي والداني ان العراق مازال يتعرض الى النهب والتخريب ومحاولات التقسيم الخطيرة ، فمتى ما كانت نتائج الانتخابات قد شكلت صمام امان للحفاظ على وجود دولة العراق الموحد بكامل اساسات الدولة الحديثة ، حينها ستجسد ارادة الشعب العراقي حقاً وحقيقة ، وهذا ما يحمّل الناخب عبء المسؤولية تجاه مستقبل بلده فينبغي ان يحسن الاختيار، الامر الذي يتوجب عليه ايضاً التحلي بقدرٍ عالٍ من الوعي والحصانة الفكرية والسياسية التى تقيه من مؤثرات الاوهام والخزعبلات الداعية الى جعل المواطن مُسكّر الدماغ ومقاد الى مصير مظلم ، ولكن العزاء بالحاجات المادية والروحية التي من شأنها ان تدفع المرء بصورة عابرة لمختلف القيود الى الانتفاض والتحرر في سبيل اخذ نصيبه منها ، وذلك ما يستلزم وجود مناخاً وافراً و آمناً ، وهذا التربط الجدلي لايمكن ضمانه الا باشباع الجماهير الواسعة بمستلزمات عيشها الضرورية ، وبمسؤولياتها ، حينها ستشعر بواجب الدفاع عن هذه المكتسبات .
ولا بد من الاشارة الى الامكانيات الاقتصادية الوفيرة لدى الحكومة العراقية ، والتى بامكانها تحقيق التنمية وتوفير العيش الكريم للمواطنين العراقيين ، الا ان الفساد وضعف الكفائة الادارية في الجانب الاقتصادي تبدد هذه الامكانيات ، وتبقي المواطن يتلظى تحت لهيب العوز والفاقة ، فمثلاً النهج غير السديد في عملية الاستثمار المتبعة اليوم في العراق ، اذ تشكل ابرز عوامل تعثر النهوض بحياة المواطن العراقي ، لكونها اقتصرت على امور ليست ذات نفع مباشر وملح للناس ، فما الحكمة من تركيز الاستثمار الحكومي والخاص في مجال الفنادق والمطارات والموانئ الضخمة قبل توفير ماء الشرب والكهرباء والنظافة والرعاية الصحية والمساكن ؟ ، لقد بنيت عدة مطارات وبعجالة ملفتة للنظر حقاً ولم تبنى محطة كهرباء واحد بعرض البلاد وطولها ، ولم تصلح مجاري الصرف الصحي التي عكست حالها البائسة عندما ادت مطرة واحدة لمدة ساعة او اقل في نوفمبر من العام الماضي الى اغراق العاصمة بغداد ، هذه نتفة من الامثلة العديدة على سوء التدبير ، واخيراً نقول ان الحل يكمن في تفعيل الكفاءات الوطنية المخلصة في كافة مناحي الحياة بعيداً عن المحاصصة المدمرة .