علي عرمش شوكت
الثلاثاء 23/10/ 2007
حضرت الديمقراطية فغاب الديمقراطيونعلي عرمش شوكت
سعي حثيث وتواصل مكثف يجري على مدار الساعة بين الاوساط الخيرة والقوى الديمقراطية العراقية بحثا عن وسائل لحل الازمة المستعصية في البلاد ، تكون محرر من اوزار القيود وسلاسل الانشداد الى الجذور الطائفية والعرقية والتي لابد لها ان تفضي الى موانئ السلام والامان ، وقد تحفزت هذه الاطراف وبادرت الى اصدار مشاريعها للحل ،ومع ان تلك المشاريع استقبلت من عموم الناس باستبشار وتفاؤل لما كانت تنطوي عليه من تشخيص دقيق لعلل الازمة وعلاجها في آن معا ، الا انها وضعت من قبل الدوائر صاحبة القرار فوق الرفوف العالية ، لكونها لاتميل الى هذا الطرف الطائفي او ذاك من المتسلطين اي ( الذين بأيديهم السلطة ) ، حيث كانت حلولا وطنية ديمقراطية لا تعنى الا بهموم الوطن وحياة المواطنين العراقيين دون تمييز اوتصنيف يذكر، لذا سدت بوجهها السبل ، وغيبت مع سبق الاصرار والترصد بواسطة عربدة مشاريع التقسيم والاقاليم ، تلك التي حولت الازمة الى حالة نووية انشطارية اذا جاز هذا التعبير، حيث ان كل ما طرح لا يعدو كونه سوى امور خلافية ومعبرة عن مصالح فئوية مقطوعة النسب العراقي الاصيل .
ومن المفارقات الغير مسبوقة ، غياب دور الديمقراطيين في ظل الديمقراطية التي تمخضت عنها العملية السياسية الجارية ، لكون اختلال توازن القوى على الارض ليس لصالح القوى الديمقراطي حسب نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة في البلاد ، بصرف النظر عن نزاهتها او عدمها ، مما يعتبر خارج منطق الامور ،ومن بديهيات الامور ان يكون ناتج هذا التوازن هو التمترس والصراع على مواقع النفوذ حتى بين الجهات المشاركة في الحكومة ، وغدا كل طرف منهم يتصرف دون ان يضع اي حساب للاخر ، فترى احدهم يتحرك دون علم مراجع القرار المخولة ، فتصدى له الاخر باصدار قرار يمنع اي تصرف او تحرك لمسؤولين دون اذنه ، والثالث يصدر قوانين ، فيرد عليه بعدم الاعتراف بها ويحذر من يتعامل معها ، ان القناعة بالحوار الديمقراطي تكاد تكون مفقودة ،بدافع الفهم القاصر والتعذر بشعار مصالح الطائفة اولا، ولاشك انه بفعل طبيعة الصراع على السلطة السياسية التي لاتعني سوى النهم اللامحدود للاستحواذ على الحصص من الاموال والسيطر على مواقع القرار ،قطعا هو نتاج طبيعي لواقع هذه التشكيلة التي لايوجد طرف فيها يسعى من اجل كافة العراقيين ! ، ولو تحلت هذه الكتل قولا وفعلا بروحية نكران الذات في سبيل انقاذ العراق من محنته لحصل ذلك منذ امد بعيد ، وهذه التجربة تؤكد بالملموس ومنذ اربع سنوات بان لاحل الا بتبني مشاريع الحل التي تقدمت بها القوى الديمقراطية غير المنحازة طائفيا او اثنيا ، كمشروع الحزب الشيوعي العراقي لحل الازمة على سبيل المثال ، الذي لاقى استحسانا واسعا بين المواطنين ، غير انه غاب عن نظر المعنيين في الحكومة .
وبالامكان الاشارة الى القوانين التي تصدر وسرعان ما تشتد الخلافات حولها حتى بين الجهات التي اصدرتها ، وذلك لضعف دور القوى الديمقراطية في سنها مما يجعلها ذات نمط محاصصاتي ، الغاية منها النفع الفئوي الخاص والعاجل ، كما انها ليست معبرة عن المصالح العامة للشعب العراقي ، وهكذا تمضي السنون ويستمر المواطنون يدفع ضريبة اثار الدكتاتورية، وكذلك نتائج تحصيل حاصل ديمقراطية تقاسم مواقع النفوذ في السلطة ، ويجري كل ذلك والارهاب لازال على اشده ، ماضيا بأبادة الشعب العراقي ، الامر الذي جعل المواطن العراقي يتمنى لو طبقت المحاصصة في امكانية مواجهة الارهاب والتخريب والفساد والحفاظ على سيادة البلاد وكرامة العباد ، ولكن قد باتت امنية العراقي هذه حلما بعيدا ليس سهل التحقيق ، لأن البعض سيتضرر حينما يقضى على اسباب انتفاعه ، علما انه غدا يمتك الثروة والجاه والمال والقوة ( المليشيات ) والبعض الاخر ( عصابات الارهاب والجريمة المنظمة ) هذه هي حصيلة غياب دور القوى الديمقراطية الوطنية التي هي وحدها المؤهلة لقيادة بلد متعدد الاعراق والاديان والطوائف ، فلا يمكن ان يأتي قائد منقذ لمثل هذا الشعب الزاهي بالوانه الجميلة الا ان يكون ديقراطيا علمانيا يجمع في كيانه كل اطياف شعبة ، وغير ذلك سيكون اما ساعيا لتحقيق مصالح طائفته او قوميته واما ان يكون دكتاتورا هدفه احتكار السلطة والاستبداد بشعب مسلوب الارادة على نمط حكم صدام حسين .
لقد ثبت تاريخيا وعبر تجارب الشعوب المتحضرة بأن الديمقراطية هي الحل لكل الازمات السياسية ، شريطة ان تكون معمدة بالعدالة على مختلف المستويات وبخاصة العدالة الاجتماعية ، ويتصدرها من يؤمن بها ويسعى لتعزيزها بنزاهة ممارستها وعدم استثمار نتائجها لمصالح فئوية ضيقة من شأنها خلق ممرا للدكتاتورية او حتى للفاشية ، وهنالك امثلة عديدة ، ولابد من قول اخير ، عندما جاءت الديمقراطية للعراق غيب الديمقراطيون مع الاسف الشديد ، وفي المقابل انتعش البازار السياسي ، وطعنت العملية السياسية التي هي ثمرة الديمقراطية ولكنها ما زالت لم تنضج بعد .