علي عرمش شوكت
الخميس 23/7/ 2009
خلافات الساسة تضع العراق على سكة الضياععلي عرمش شوكت
وصلت الاحزاب الحاكمة في العراق الى مراكز القرار بفعل التجييش الطائفي والقومي ، وكان تحركها بمثابة سباق للضاحية هدفه الوصول الى قمة السلطة ، وخلف عنوان الشراكة ، الا ان جوهره تقاسم السلطة ومواقع النفوذ على حساب قوى الشعب الاخرى ، وكان ظاهر آليتها انتخابات ديمقراطية ولكنها كانت وما زالت مجرد عناوين تلجمها قوانين مجيرة لمن له الغلبة في اصدارها ، ومن اجلى مظاهرها ما يعانيه اليوم القانون الخاص بالانتخابات ذاتها وقوانين اخرى ايضاً ، مع انها مكفول صدورها في الدستور لكنها ظلت معلقة على ناصية مجلس النواب ، والغاية ابقاء القانون المجحف القديم الذي صمم خلسة من ارادة الشعب وفي دهاليز البرلمان الخلفية ، وصلت هذه الاحزاب وهي تمتلك الاموال الملفتة للنظر والتي كرست لخوض الانتخابات في غياب الرقيب القانوني على عملية تمويلها ، كما جاءت وهي لا تمتلك الخبرة اللازمة لادارة الحكم لكونها عاشت طيلة حياتها كمعارضة للانظمة الدكتاتورية المستبدة .
ولسنا هنا بصدد القاء اللوم على من جاء الى موقع القرار وهو لايفقه عنه شيئاً ، ولكن يجدر بالمخلصين تحديد المسؤولية عن الاخفاقات التي رافقت ادارة الحكم خلال الفترة المنصرمة منذ سقوط النظام السابق ، وكلمة اخفاق اقل الاوصاف واهونها على ماهو حاصل ، ان المراحل التي وصلت اليها الخلافات بين اطراف النخبة الحاكمة وما ظهر جرائها من تعدد مراكز القرار ما هو الا التجلي الصارخ والاخطر للفشل في ادارة الحكم ، وحينما تصدر من رئيس الوزراء قرارات لمعالجة جراح البلاد تشرئب الاعناق لرؤية ترجمتها على الواقع ، ويتحول ما تراكم من احباطات الى حالة من الانفراج وانهاض الهمم ، ولكن وللاسف الشديد تبقى مثل هذه القرارات حبيسة ارادات الكبار ، ولا تعمر كثيراً ، بل احياناً تُقطع انفاسها في الادراج المقفلة ولا يلمس لها اي اثر .
لا يوجد عاقل يستطيع الجزم بانعدام النجاحات التي حققتها حكومة السيد المالكي ، ولكنها لا تسلم من محاولات التطويق والعرقلة من قبل المختلفين معه لكي لا تلامس مطامح الناس ، ولم يكتفوا بهذا انما غدت خلافاتهم تتحول الى اعمال اجرائية تتجاوز الدستور وتنشئ مراكز قوى داخل الدولة العراقية ، الامر الذي يمهد الى انقسام وبعثرة وتفريط بوحدة الشعب العراقي في عموم البلاد ، ان التزاحم لتحقيق المصالح الضيقة على حساب المصالح الوطنية العامة ما هو الا سياسة تصفوية مدمرة للعملية السياسية ، لقد كان التغير الذي حصل بعد سقوط النظام السابق املاً مرتجى في ايجاد البديل الديمقراطي ، الذي كان من المؤمل ان يصبح كفيلاً باعادة بناء العراقي الديمقراطي الاتحادي الحضاري ، وهنا تعود بنا الذاكرة الى تاريخ العراق الجمهوري وكيف صنعت الخلافات بين القوى الوطنية راعية التحول بثورة 14 تموز وبثمرتها النظام الوطني الجمهوري ، حيث فسحت المجال رحباً للصوص السياسة لسرقة السلطة واجهاض اي تحول ديمقراطي ، بل ساعدت على وجود دكتاتورية من طراز فريد .
ان استمرار الخلافات والصراعات بين قوى العملية السياسية وضعت العراق على مشارف سكة الضياع من جديد ، وفي هذه المرة ستكون الامور اكثر خطورة بفعل تعدد الاستقطابات الطائفية والقومية التي لم يكن فيما مضى مثيلاً لها ، كما ان البلد لم تكن مكبلة في الماضي بمثل هذه الاختراقات الاقليمية والاجنبية ، ان ما يجري من تجاذبات وسياسات لا مسؤولة تجاه الشعب والوطن يستحق ان تبح الاصوات في سبيل التصدي له من قبل كافة القوى الوطنية المخلصة للعراقي وللحياة الديمقراطية الجديدة ، ويبقى التعويل على نواب الشعب الذين يمثلون الجهة التشريعية والرقابية ، ولكن التبعية الحزبية والجهوية للنواب تشكل الكابح الفاعل في تعطيل دور البرلمان او في اقل تقدير تحجيمه ، لكي يتناسب مع ما ينفع النخبة الحاكمة ، سواء كان ذلك في اطار توافقاتها او محاصصاتها او غيرهما .
كثرت الامور المعلقة رغم اهميتها و غابت المقاربات بين اوساط اصحاب القرار ، والشعب العراقي يدفع الثمن ، لقد تحقق مستوى معين من الامن ولكنه ظل مجردا من الدعم الشعبي ، وذلك يعود لعدم تمكن المواطن العراقي من توفير اي جهد يصب في دعم العملية الامنية ، لانه غارق في هموم المعيشة اليومية التي تبتلع كل جهده ، وهنا تبرز الثغرة التي لم تأخذ بالحسبان ، اي ان تحقيق الامن لا يقتصر على الاجراءات العسكرية فحسب ، انما يفترض التوعية والتحسن الاقتصادي للمواطن والعمل الجاد لانتشال الجماهير البسيطة من التخلف وعمليات التجهيل الظلامية التي تهدف الى خلق مناخات يسهل فيها التجنيد للعمليات الارهابية من قبل بعض دول الجوار ، وهذه الاجواء ذاتها التي تستغل في الحصول على الاصوات غير الواعية في العمليات الانتخابية ، كل ذلك يرشح الوضع في البلد الى الخراب المتزايد .