علي عرمش شوكت
الجمعة 24/7/ 2009
الامريكان والبعثيون .. مقاربات تمليها مصالحعلي عرمش شوكت
يشهد عراق اليوم حالة مخاض لها طبع غريب بحاجة الى ( سونار ) سياسي لتشخيص نوع الوليد القادم ، ربما البعض من المعنيين لا يريد معرفة ذلك لأنه قد تركها على رب العالمين وسيرضى بحكمه ، مع انه في عالم السياسة لابد من ملاحقة اية شاردة وواردة حتى النهاية ، لكون الزمن في هذا الميدان له ثمن باهض ان لم يستثمر في حينه المناسب سيلقي باوزاره ويمضي ، حينها لاينفع عض الاصابع اوالندم ، ان ربّاط حديثنا هذا هو القراءة الخاطئة لسياسة واشنطن في العراق من قبل بعض القادة السياسيين في هذا البلد ، لقد احتل الامريكان وحلفاؤهم العراق ليس من اجل سواد عيون العراقيين ، انما هنالك مصالحهم التي قد اعلنوها قبل وصول جحافلهم الى بغداد ، والمتمثلة بما اسموه مشروع الشرق الاوسط الديمقراطي الجديد ، الذي لا يصعب على اي سياسي تفسيره ، فالمشروع كان يهدف الى ازاحة النظم غير الحليفة لهم ومجيئ حكومات حليفة او في اقل تقدير لا تخاصمهم ، لهذا كانت القوى الديمقراطية والوطنية تعارض ان يكون التغيير عن طريق الاحتلال .
لقد اكتشف قادة البيت الابيض متأخرين بان النخبة الحاكمة في العراق صديقة لخصوم الولايات المتحدة الامريكية (النظام الايراني) اكثر مما هي حليفة لهم ، وفي ظل هذه المعادلة السياسية التي لا تقبلها الادارة الامريكية بل وتعتبرها عملاً معاكساً لما كانت تبتغيه في اقل تقدير، تتصاعد حدة الصراع بين طهران وواشنطن على خلفية الملف النووي الايراني والعداء لاسرائيل ، ان تجليات الحرب الباردة الساخنة بينهما تكشف عنها الاختراقات اليومية التي تقوم بها المخابرات الايرانية للوضع في العراق بارسال المقاتلين بعد تدريبهم وتهريب اطنان الاسلحة من مختلف الاصناف الى داخل العراق والقيام بمواجهات مع القوات الامريكية ، هذا من الجانب العسكري ، اما من الجانب السياسي فقد تمكنت اذرع ايران من عرقلة حتى التفاهمات بين البيت الابيض الامريكي وبين المنطقة الخضراء العراقية .
خلاصة الامر ، لقد بدأ مؤخراً يظهر على قسمات سياسة الادارة الامريكية اليأس من ان تكون حكومة احزاب الاسلام السياسي في بغداد عوناً لها ضد عدوها نظام ولاية الفقيه الايراني ، ومن الملفت للانتباه ان الحكومة العراقية التي تستند بالمطلق على الولايات المتحدة لمقاومة اعدائها وبعضهم يأتونها من ايران قد اغلقت جميع المنافذ امام سياسة واشنطن تجاه النظام في طهران ، لا بل تجاهلت كافة الخروقات الايرانية المفضوحة في مختلف المجالات ، مما جعل الادارة الامريكية تفتش في ثنايا الساحة السياسية العراقية على من يعينها على كبح النشاط الايراني حتى وجدته رهن الاشارة وهو ( بقايا حزب البعث الصدامي ) الذي ادى دوره بلا تحفظ ضد ايران في الماضي وبالتنسيق والتشاور مع دوائر المخابرات الامريكية ، وهنا نجد مقاربة غير اعتيادية بين الطرفين بالمدى المنظور ، وهذا ما تحكم به المصالح التي لا صديق دائم فيها ولا عدو دائم ولكنها هي فقط مطلقة الدوام .
فالبروتوكولات التي عقدتها الادارة الامريكية مؤخراً مع ما يسمى بـ (مجلس المقاومة ) وبقايا حزب صدام ليست بالغريبة ، حيث لاتوجد مشكلة للادارة الامريكية مع البعثيين ولا توجد مشكلة للبعثيين مع الادارة الامريكية بعد ان انتهى حكم صدام الذي كان هو العقدة ، فعودة الصداميين الى الساحة السياسية العراقية لدى الادارة الامريكية مرهونة بقبولهم لشروط البيت الابيض الامريكي ، التي ياتي في مقدمتها التحالف ضد ايران وعدم معاداة اسرائيل وهذا ليس بالامر الصعب في سياستهم التي تتسم بالتلوّن والانقلابية الدائمة ، خصوصاً اذا ما لوّحت لهم واشنطن بالعودة الى الحكم ، كما ان عدم عودتهم مرهون ايضاً بان تأخذ النخبة الحاكمة في بغداد على عاتقها الدور الذي تنتظرة الولايات المتحدة من البعثيين او في اقل تقديرالمساعدة على كبح النفوذ الايراني في العراق والمنطقة .
ولم يكن الرئيس الامريكي باراك اوباما يطلق طيوره في ظلام عندما صرح قائلا ( نحن ملتزمون بالانسحاب من العراق في نهاية عام2011 وعلى العراقيين تدبير امورهم ) انما كان يوجه رسالة واضحة الى القادة السياسيين العراقيين بأن الادارة الامريكية بعد هذا التاريخ غير معنية بما سيجري في العراق ، كما انها اشارة للعرب الذين يخشون على العراق العربي من الهيمنة الايرانية لكي يحترسوا جيداً من حصول فراغ سياسي وامني في العراق وامكانية تقسيمه اوابتلاعه اقليمياً ، وفي مطلق الاحوال سوف تعمل الولايات المتحدة الامريكية جاهدة لوجود الحليف العراقي الذي يعينها على كبح النفوذ الايراني بل ومواجهته بكل الوسائل ، و ما هذه البروتوكولات التي تمت بينها وبين البعثيين الا صورة من السعي عن الحليف الذي سيواجه خصمها العنيد في المنطقة ، ولا يهمها كيف كان يتعامل مع الشعب العراقي انما المهم سيحقق لها مصالحها ،