علي عرمش شوكت
السبت 24/10/ 2009
البرلمان العراقي طريح النقاشعلي عرمش شوكت
يبدو ان نواب الشعب العراقي شعروا بدنو رحيلهم بلا عودة ، نؤكد على بلا عودة ، وعليه قاموا بخطوة استباقية لايقوم بها عادة الا الذين يشعرون بقرب وفاتهم ، فيبادرون الى توريث ما يمتلكون الى ذويهم ، و من معاينة حتى وإن كانت عابرة لخطوة النواب هذه يُفهم بأن دوامة الجدل والنقاش قد اعيتهم وافرغتهم من مقومات البقاء الى نهاية المشوار ، وعليه حزموا امرهم معبرين بذلك عن فشلهم في مهمتهم ، وتحويلها الى ملوك الكتل السياسية الذين يشكلون المجلس السياسي للامن الوطني دون اية مسوغات دستورية تجيز لهم هذا التصرف ، ومن الانصاف الا نقسواعلى البعض الاغلب منهم ونحملهم مهمة انجاز قوانين ديمقراطية حضارية عادلة مكرسة لبناء دولة عراقية مدنية ديمقراطية حديثة ، لكونهم لايستوعبون كنهها ولا يرغبون بوجودها لكونها تقطع عليهم طريق المنافع والامتيازات المتجاوزة على عتبة الاستحقاقات الانتخابية المقرّة والمشرّعة .
ان صراع الارادات الذاتية جداً قد شل البرلمان بل وحوله الى ما يشبه سوق للمازادات وللمناقصات حسب القضية ( السلعة ) السياسية المطروحة ، كانت النقاشات اثناء انعقاد البرلمان بمثابة رمي مدفعي يطلق باتجاه الاخر المختلف دون الاكتراث بمصير القضية المطروحة للتشريع ، فغالباً ما تبتعد تلك المناقشات عن الهدف لكونها غير موجهة لمعالجة إشكال معين ، او لاقناع المقابل انما تأخذ عادة نمط توجيه اللكمات المسددة بقصد التطويح بالاراء الاخرى بغية الوصول الى فرض ارادة طرف على الطرف الاخر ، وعندما يصل النقاش الى درجة المساس بالمصالح الخاصة يتم نسيان حتى مفاهيم ( الديمقراطية التوافقية ) التي دأبوا على التعامل بها حينما تكون المادة المطروحة للنقاش قابلة للمحاصصة ، ولهذا بات البرلمان طريح النقاش وفي حالة موت سريري ، اما غياب المصلحة الوطنية فحدّث بلا حرج .
ويبدو ان قانون الانتخابات قد بات تحت رحمة ملوك الكتل الكبيرة ، فلا تعديل ولا قانون جديد ، وكان ارساله الى المجلس السياسي للامن الوطني ليس خذلاناً لبنات وابناء الشعب العراقي فحسب ، انما هي محاولة للابقاء على القانون القديم ، الذي كان الحافلة التي اقلتهم الى البرلمان دون اي عناء وبلا توفر الشروط الدستورية ، حيث سيؤدي تغيره او تعديله الى عدم عودتهم في الدورة البرلمانية المقبلة ، وبخاصة الذين عيّنوا نواباً !! ، و حقيقة الامر كانوا نوائب ، وعبارة عن خيال مآتة ، فاقدي الروح ومقطوعي النسب بشعبهم وهمومه المتزايدة ، ولا يختلف عاقلان حول سبب ارسال قانون الانتخابات الى المجلس السياسي للامن الوطني ، حيث كان الفشل الصارخ لنواب الشعب وعجزهم وخوفهم بسبب ذلك من الازالة كالبناء العشوائي تماماً ، هو الذي ادى بهم الى التخل عن اصدار قانون جديد، واللجؤ الى الدهاليز الخلفية المغلقة للبحث عن اسعافات عاجلة لانفاسهم المزهوقة ، لعل في ذلك نجدة من مأزقهم المتدحرج نحو هاوية اللاعودة .
ولا يغرب عن البال فمن جانب اخر يسعى اصحاب الكتل الى التمسك بصلاحياتهم في تعين من هو من الحسب والنسب الاقرب عليهم كنائب ، فيأتي هذا الاخير الى البرلمان ناطقاً باسم من عينه وليس باسم من انتخبه لعدم وجود اي تعارف بينه وبين الناخبين لاسابقاً ولا لاحقاً ، وذلك من افضال القائمة المغلقة ، وعليه لايجد النائب اي الزام عليه غير ارادة مرؤسيه في الكتلة ، ان ذلك احد اهم دوافع التمسك بالقانون القديم ، غير ان هنالك من يُعزي استعصاء اصدار قانون جديد للانتخابات الى قضية كركوك ، فلا احد يتجاهل ذلك الاشكال الذي جاء بفعل التخندق العرقي ، ولكن قد استغلت هذه القضية كابشع غطاء من قبل بعض الدوائر السياسية بغية الابقاء على القانون الانتخابي القديم .
ان الصراع السياسي يدور حول تداول السلطة اصلاً ، ويتجلى هذا الصراع ليس في البرلمان حول اصدار القوانين فحسب ، انما يتلمسه المواطن العراقي في كل منعطف في الحياة السياسية العراقية ، اذ خلق فعله ظاهرة الانشطارات داخل اغلب الكتل ، والسبب غير مجهول ، وعليه غدونا لا نستطيع اللحاق بتعدد الإئتلافات والكيانات الانتخابية ، ولكن حتى وان تعددت بقيت تفتقر للتمايز السياسي والمنهجي ، غير ان الفرز سيأتي في موعد الانتخابات المقبلة وحينها سيذوب الثلج ويبان المرج على حد المثل الشعبي .