علي عرمش شوكت
الخميس 25/12/ 2008
العراق .. انتصار في مجلس النواب وانتصار في مجلس الامنعلي عرمش شوكت
ان الحالة السياسية الانتقالية في العراق غدت تقوى على تجاوز المنعطفات الحادة التي تواجه مسيرتها في كل يوم ، لكونها تعتمد الآلية الديمقراطية لعبور الازمات ، هذه المصاعب متوقعة في اية مرحلة تحول ، وعليه فأن ما تشهده العملية السياسية هو لا يتعدى كونه اعتمالات وافرازات تصاحب عادة عملية الانتقال من مستوى الى اخر ، وقد رصدت خلال الفترة الماضية العديد من العثرات الذاتية ، والعقبات الموضوعية التي كان بعضها وضع مقصوداً لاجهاض مسيرة التحول وابقاء الوضع في حالة الفوضى الدائمة ، املاً باعادة الامور القهقرى ، وبالحصيلة النهائية افشال التجربة الديمقراطية في العراق لكي لا تشع خارج حدوده ، ولكن يقتضي الامر عدم اغفال العامل الداخلي الذي يكون على الدوام هو الحاسم في مجرى حركة التحول .
يجدر التنويه الى ان الوضع السياسي الراهن في العراق الذي ترتب على اثر سقوط النظام السابق ، قد حمل في ثنايا تأسيسه عوامل ضعفه ، ابتداءاً من تشكيلة مجلس الحكم التي ارسيت على توازن قومي وطائفي دائم التأزم ، وكان ذلك قد فُرض بدلاً من ان يتم على اساس توازن سياسي وطني عادل يتمتع بعوامل الاستقرار والتطور والرسوخ ، بيد ان تركيبة الحكم هذه قد ادخلت بمتاهة وعرة منذ البداية ، اذ تلبست بما عرف بالمحاصصة الطائفية والاثنية ، التي شكلت منبعاً للخلافات والصراعات المصلحية ، وفي ذات الوقت صارت مبعثاً لعوامل الخراب الذي حل في البلد ، وما عزاء شعبنا العراقي وتحديداً الخيرين من ابنائه ازاء ذلك الا الديمقراطية كآلية لتداول السلطة ومن خلال المؤسسة التشريعية التي افرد لها الدستور 15 مادة كحقوق وصلاحيات فاعلة ، ابتداءاً من المادة 49 الى المادة 63 منه ، وها نحن نشهد اليوم كيف حسمت الامور بالآلية الديمقراطية فيما يتعلق بازمة رئيس مجلس النواب الاخيرة ، فمن البهديهي ان يتعرض الوضع السياسي في العراق الى المزيد من هذه الاختناقات ، ويمكن ان تكون مكامن التوتر في مستويات السلطة المختلفة ، والاخطر من كل ذلك ان تصعد سخونتها الى قلب العملية السياسية اي في مواقع القرار ، وشاهدنا المباشر على ذلك هو تفجرها في موقع القرار التشريعي ، وان عوامل ظهورها مازالت كامنة ولا ضمان بعدم تسببها لازمة في هذا الموقع او ذاك .
ومجمل ذلك ينتسب الى عامل اساسي مختل ، وهو عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، ومعيار المناسب هنا هو ثلاثي الابعاد اي التحلي بالنزاهة ، وبالكفاءة ، وبالوطنية العالية ، و غياب وجود ذلك الاساس المهم هو نتيجة لابتلاعه من قبل القوائم المغلقة ، التي صادرت حرية اختيارالمواطنين لمن هم الانسب كممثلين لهم في مجلس ، ان شعبنا اليوم على مشارف عملية اختيار جديد لممثليه في مجالس المحافظات وهذا ما يدعو الى الاتعاظ ، سيما وان زوبعة رئاسة مجلس النواب بقيت مخلفاتها مؤثرة ، وتلقي بظلالها على عملية اختيار رئيس جديد للبرلمان ، علماً انها مازالت تستند على قواعد المحاصصة و المساومات الاخرى ، مما يجفف عملية الاختيار ويفقدها المرونة ، وتجلياتها الاولية سرعان ما برزت للعيان بحصول انشطارات في جبهة التوافق ، صراعاً على احقية اختيار البديل الجديد من بين اطرافها ، فهل يصلح الاختيار على النمط السابق ما افسدته المحاصصة ؟ .
رغم كل ما جرى من اشكالات الا ان النتيجة الاخيرة والممارسة الديمقراطية في تغيير رئيس مجلس النواب العراقي قد حسبت انتصاراً للعملية السياسية ، وبالمناسبة لايسعنى الا ان نلفت الانتباه الى انها جاءت متزامنة مع انتصار اخر اكثر اهمية وهو قرار مجلس الامن الدولي الجديد ، الذي اخرج العراق من الفصل السابع من قانون الامم المتحدة ، والذي واعتبر فيه البلد كونه يشكل خطراً على الامن الدولي في حينها ، وذلك بموجب القرار الاممي المرقم 1959 لسنة 1990 وما تبعه من قرارات اخرى وصل عددها الى اربعين قراراً ، ومن المؤسف حقاً ان يتم في وسائل الاعلام العربية التعتيم عليه ، في حين قد القت ذات الوسائل الاعلامية بثقل يفوق الجهد الاعتيادي فيما يخص اعتقال الصحفي منتظر الزيدي وحسبت ذلك جريمة لاتغتفر ، ولكن يبدو تحرر العراق من بعض قيوده في تقديرها قضية فيها نظر !! .
ان الخط البياني غدا يتصاعد باتجاه تحسن الوضع العام في العراق ، الا انه يبقى يعاني من ضعف في ادارة العملية التنموية والامنية التي تتوقف عليها اعادة بناء الدولة المدنية الديمقراطية ، وذلك تبعاً لضعف الكفاءات الادارية ، وربما كان شعوراً من قبل الحكومة مما جعلها تدعو الكفاءات المغتربة وعقد مؤتمراً لها في بغداد مؤخراً ، وكل انجاز يتم يبقى معلقاً لحين وضعه تحت رعاية الكفاءات المهنية الوطنية المخلصة .