علي عرمش شوكت
الثلاثاء 26/2/ 2008
الراصدالتيار الديمقراطي .. يعيش في الفصول الاربعة
علي عرمش شوكت
في يومنا هذا يبدو الفصل للوهلة الاولى خريفيا بالنسبة للتيار الديمقراطي العراقي ، ولكن كالعادة ليس لزوابع طقس سياسي مضطرب كهذا عمر طويل ، حيث تلاحقها استحقاقات الفصل اللاحق ، او انحسار المد الحاصل الذي هو الاخر لابد له ان يتراجع ، واذا ما تتبعنا (روزنامة) الازمنة السياسية العراقية سنجد فيها توثيقا مفاده ان التيار الديمقراطي ورغم الفصول القائظة او القارصة الا انه يبقى حيا في كل الفصول الاربعة ، مقاوما هبوب اعاصير الاستبداد ، ويظل نبضه متحركا وان كان بحركة نسبية اعتمادا على همة محيطه وما يتمكن من حصوله على مساندة لوجستية ضرورية ، وايضا لاننسى مدى قدرة احزابه على الفعل الميداني المباشر في الساحة السياسية ، فهي القوى المحركة الاساسية ، والتي تمسك بعتلات القيادة والتوجيه ، لكون التيار الديمقراطي واسع ، وهو يمتد من اليسار الماركسي الشيوعي الى اليمين الليبرالي ، ويضم احزابا ومنظمات و شخصيات ديمقراطية تختلف في برامجها وطروحاتها السياسية ، ولكنها تتلاقى في قاسم مشترك اعظم وهو بناء الدولة الديمقراطية التعددية المدنية .
ان التيار الديمقراطي ينفرد بكونه يحفل بتلاوين اجتماعية وقومية ومذهبية متحررة من انتماءاتها الضيقة هذه ، وبذلك يكتسب بحق الصفة الوطنية بالمعنى الواسع للكلمة ، وهذا ما يتجلى في طبيعة نضاله وبرامجه التي لا تسعى في خطوطها العامة من اجل حقوق فئة معينة من مكونات الشعب العراقي ، انما تكون خلاصة حركتها هو السعي لصالح حتى تلك الفئات التي لا تتواءم معه ، حتى بعضها التي تعتبره تيارا معاديا لتوجهاتها السياسية وشعاراتها الانعزالية الفئوية الضيقة ، كما يوجد في ثناياه متسعا لقوى دينية اوقومية متنورة تلك التي تؤمن بالتعددية الفكرية والديمقراطية وتداول السلطة سلميا ، ومن الجدير ذكره ان التيارات السياسية العاملة في العراق الان هي التيار الاسلامي ، والتيار القومي العربي ، والتيار القومي الكردي ، ويأتي التيار الديمقراطي كتيار رابع ، بيد انه يمتاز عن غيره برحابته وعدم انغلاقه على ذاته .
وانطلاقا من واقع التيار الحالي فهو يعتبر المؤهل الاكفأ لقيادة مرحلة البناء الديمقراطي في العراق الجديد ، ولكن ذلك يصطدم مع الاسف الشديد بواقع اجتماعي وثقافي متخلف يضع امامه حواجزا وقيودا تعيق نهوضه وتحول دون تصدره لتنفيذ مهام المرحلة ، لاسيما وان تلك القيود قد وضعت باطارات تشريعية مما لايمكن تخطيها في هذا الجو الملبد الشائك الذي تنخفض فيه الرؤى لاغلبية الجماهير التي تسعى قوى سياسية لابقائها على ما هي عليه من تخلف سياسي وثقافي ، كان قد خيم عليها خلال عقود حقبة الاستبداد الصدامي ، ولكنه قد تواصل وتكرس بعد سقوط تلك المرحلة ، ولا غرابة في ذلك فأن الاسباب التي ادت الى تفشي حالة التخلف هي ذاتها وراء محاولات تكريسها ، والغاية من ذلك هي قطع الطريق امام التيار الديمقراطي لكي لا يأخذ زمام المبادرة ، والحصيلة هي لي عنق المسيرة الديمقراطية باتجاهات لا مناص من ان تعود بالعهد الجديد القهقرى الى الوراء ، ولذلك يبدو الميدان السياسي حاميا ، والصراعات على اشدها ، ولكن الاكثر سخونة فيها هي الصراعات التي تدور بين التيارات الاخرى ، وهذا هو الامر الذي يلفت الانتباه الى الحال الذي عليه التيار الديمقراطي في وسط احتدام الصراعات السياسية التي تدور حوله ، والسؤال يكبر حول ذلك ولكن يتركز حول دوره المفترض في مثل هذا الواقع الساخن.
يصعب اطلاق عبارات اللوم لهذا التيار واتهامه بالتقصير في اداء دوره المفترض في هذه المرحلة ، ولكن لا يختلف اثنان بان التساؤل عن سبب غياب المرجعية لهذا التيار قد بات مشروعا ، وبالرغم من تلاوينه الا ان ذلك لايلغي وجودها مرجعية ليساره ذي التاريخ النضالي والتضحيات الجسام في طريق مقاومة النظام الدكتاتوري كمرحلة اولى، حيث ان هذا الرصيد السياسي يؤهله لكي يتصدر مرحلة البناء الديمقراطي ، لذا يتطلب ان يكون جاهزا لخوض وعورة الطريق ، وذلك بأدوات تتناسب والمهمة المطروحة امامه ، ولا نتجاوز في طرحنا اذا ما قلنا بان التيار الديمقراطي بحاجة الى برنامج سياسي مرحلي في اقل تقدير ، ومقترن بتشكيل جبهة ديمقراطية واسعة ربما تشمل حتى يمين التيار ذات التوجه الليبرالي لتكون اداة مرحلية ايضا تتناسب مع برنامجه السياسي المرحلي ، ومن نافلة القول ان الحزب الشيوعي العراقي قد طرح مشروعه الديمقراطي الوطني ، الذي يمكن ان يؤسس عليه برنامجا للتيار الديمقراطي ، كما بادرت ثلاثة من احزاب التيار وهي الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي (نصير الجادرجي) والحركة الاشتراكية العربية (عبد الاله النصراوي) واطلقت نداءها المعروف والذي لقي تأييدا وسعا من القوى الديمقراطية ، وهذا يمكن ان يكون الشعار المركزي للتيار الديمقراطي .
اما ما يدور من تحرك لانتاج تيار ديمقراطي معلب بمقاييس معينة فهو يعد نكتة المرحلة ، ولايعكس سوى حالة ناتجة عن الاختلال في توازن القوى لغير صالح التيار الديمقراطي ، الامر الذي دعا البعض لانتهاز الفرصة ، وذلك بخطوة استباقية لان الواقع الحالي لايمتلك ضمانات البقاء طويلا ، ولكون مرحلة الديمقراطية والتطور والتنمية والحضارة تؤكد دون اي لبس بان التيار الديمقراطي هو صاحب الارجحية ليتصدر عملية بناء الدولة الديمقراطية المنتظرة التي يفرضها عالمنا الجديد .