علي عرمش شوكت
السبت 26/7/ 2008
الراصدقانون هام انكبح متعثراً بعتبة البرلمان !!
علي عرمش شوكت
هذه حال الدنيا فمن يولد سليماً فيها ، ومن يولد قبل اوانه ، ومن يولد معوقاً ومن يولد على يد قابلة غير جديرة ربما تعوقه ، هذه حال قانون انتخاب مجالس المحافظات عندما حانت ساعة ولادته من مجلس النواب العراقي ، اصيب المخاض بالعسر والتعثر ، ومن المعروف عن هذا المجلس بانه لم يتساهل مع ولادة قوانين لم تكتمل بنيتها ولم يستقم قوامها بعد ، ولكن المفارقة هنا ان هذا القانون تكون سليماً ونضج في رحم العملية السياسية وفي وقت خروجه للحياة وقبيل ان يستنشق هواء دنيا السياسة العراقية الجديدة ، تصدى له اهله وليس غيرهم وتحديداً الذين وعدوا باحتضانه فعوقوه ، ليخرج وهو من دون قوائم ، مما ادى به الى عدم القدرة على المشي لكي يؤدي واجبه الذي بني من اجله ، فليس مستغرباً ما حصل في يوم الثاني والعشرين من تموز في حاضرة مجلس النواب ، حيث تم تجاوز مواد القانون التي هي ثلاثة وعشرون فقرة ، فاصبحت اربعة وعشرين وهذه المادة الاخيرة اقحمت على اصل القانون لتستثن محافظة كركوك عن باقي محافظات البلاد بتقسيمها الى حصص عرقية للاسف الشديد ، ثم ارفقت بآلية غير معتادة في مجلس النواب العراقي ، اي التصويت السري لاقرارها !! .
والسؤال هنا يكون مشروعاً عن غرابة هذا الموقف ، لانه في الوقت الذي يبح صوت الشعب العراقي مطالباً بالغاء المحاصصات العرقية والطائفية يبادر مجلس النواب الذي يمثل ارادة عموم العراقيين الى اصدار قانون يقسم المواطنين في محافظة كركوك الى حصص عرقية !، مصادراً بذلك حرية المواطنين بالاختيار ، وما يزيد المتابعين لسير العملية السياسية اندهاشاً ، هو اقدام مجلس النواب الذي بقى طيلة عمره توافقياً على اتخاذ قرار من شأنه ان يهدم جدار حتى ما بني من توافقات سابقة ، ولا نريد ان نستشهد بما سمعناه من صدى ردود الفعل الغاضبة وما سيترتب عليها من مواقف ، ولكننا نسأل ، هل اخذ الذين صوتوا لمثل هذا التقسيم العرقي بالحسبان ما سيحصل من انعكاسات سلبية على لحمة الشعب العراقي ؟ ويمكننا تفهم هذا العبور ، لان هذا النمط من التقسيم والحصص قد امسى قاعدة ثابتة منذ ان جاء الاحتلال بالمحاصصة العرقية والطائفية ، وكما يبدو ان ثقافة التجزئة قد تكرست للاسف الشديد ، وربما يقول البعض ان اقرارهم لهذا القانون التقسيمي جاء تفادياً من انفراد طرف واحد في مدينة كركوك بعد حصوله على اكثر من الثلث المؤهل لانظمام المدينة الى اقليم حسب الدستور العراقي ، ونحن نسأل ، من سطر ومن اقر هذا الدستور ومن اتخذه مرجعاً لكافة قراراته غير هذا المجلس النيابي رغم العديد من التحفظات حوله ؟ .
ولا يستبعد ان تدخل النجاحات الاخيرة في العملية السياسية وآخرها التئام حكومة الوحدة الوطنية كعامل محفز لمزيد من وضع العراقيل من قبل المعارضين امام تشكيلة الحكومة الاخيرة غير المقنعة لبعض الاطراف الاقليمية والداخلية على حد سواء ، ومن الخطأ الذي لا تحمد عقباه اذا ما جرت الاستهانة بهذا التفخيخ الخطير في طريق المسيرة السياسية في البلد ، والمتمثل باقرار قانون انتخاب مجالس المحفظات بالصيغة موضع الخلاف ، ومن المؤسف ان يأتي هذا الخلاف الحاد متزامناً مع دخول العراق بمفاوضات مصيرية مع الولايات المتحدة الامريكية ، يقتضي الامر فيه توفير غطاء وطني سميك نابع من متانة الوحدة الوطنية لكافة المكونات السياسية للشعب العراقي ، غير ان الذي جرى من شأنه ان يسمم من جديد الاجواء السياسية ، لاسيما وان مكوناً هاماً يتعاكس مع القانون الذي اقر ، بل ويعتبره مقصوداً ضد مصالحه وحقوقه القومية .
ان الصدمة التي حصلت لبعض القوى السياسية من جراء اقرار القانون المذكور جعلتها تفكر ملياً بأعادة حساباتها وبخاصة في تحالفاتها ، اذ انها كانت تتم تحت غطاء المحاصصة ، ومن المعروف ان مثل تلك التحالفات لم يكن لها نصيب وافر من العمر المديد ، فهي مرتهنة الى حد بعيد بمدى تحقيق المصالح الفئوية ، والتي هي في العادة متباينة ويتوفر فيها عنصر التناحر ، الذي يكون على الدوام قابلاً للانفجار في حالة حصول اي قدر من اختلال في التوازن ، حتى وان كان مجرد شعور بالغبن من قبل احد الاطراف ، فكيف الامر عندما يتفجر الخلاف حول امور قد حسمت بالدستور ولكن تم عبورها في مجلس النواب بصورة تجردت من صبغتها التوافقية المعتادة ، ولم تتوقف عند موضوع الانتخابات المحلية في مدينة كركوك ، انما بفعل ضيق الافق في تفكير بعض الاوساط جعلها تعدم في المادة 24 المضافة ، حتى ما خصص للنساء – الكوتة - وكذلك حصص الاقليات القومية الصغيرة ، ولهذا باتت الدعوة الى اعادة صياغة القانون ووضعه على سكة العملية السياسية ضرورة ملحة تفرضها استحقاقات تقويم حكومة الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحرجة .