علي عرمش شوكت
الثلاثاء 26/8/ 2008
الامن في العراق بين استراتيج الحكومة وتاكتيك الارهابيينعلي عرمش شوكت
عشت في جمهورية اليمن الديمقراطية ردحاً من الزمن ، وقد تعلمت من شعبها الطيب الكثير من الحِكم والعِبر في الحياة ، وبخاصة في دهاليز السياسة ، و مما عايشناه هو كيف كانت تلك الحكومة محترسة من اعدائها بالرغم من شحة الامكانيات المالية ، وكما سمعنا ما كان لديهم مقولات يرددونها دائماً ، فعندما يتفاءلون يقولون ( بيقع خير ) ومعناها سيقع خير ، وعند التشاؤم يقولون ( احذروا من الاخزاق ) ويقصدون بكلمة الاخزاق ، الثقوب ، التي تحصل في اي امر ما ، ولم يحسب لها حساب ، وكان التعامل مع ( نظرية الاخزاق ) تلك ، قد جعلهم يمسكون بأمنهم الداخلي والخارجي بصورة منيعة .
ان رباط الحديث عن الثقوب دعتنا اليه كثرة الاختراقات التي يتسرب منها الارهابيون اليوم في العراق رغم (الجدران) الامنية التي انشأتها الخطط العسكرية والصولات والجولات والتي نضفت البلد الى حد ما من اعمال الارهابيين والخارجين عن القانون ، ولكن التصديات الحكومية كانت اقرب الى الاسعافات الوقائية من كونها علاجات لقطع طريق العودة على من اراد ان يطرح نفسه بديلاً وذلك بالتجاوز على القانون ، بهدف اثبات الوجود وفرض الامر الواقع ، لغاية اضعاف السلطة وارهاب الجماهير واخذ زمام البادرة لارجاع الاوضاع الى الماضي الدكتاتوري المقبور ، فضلاً عن ما يرادفه من مساعٍ اقليمية طامعة عابرة للحدود ، فلابد من اعتماد مقياس نجاح العمليات الامنية بمعيار الثبات والتقدم وليس بالنتيجة الآنية وكأنها الانتصارالحاسم ، لان المعركة على السطح تختلف نتائجها عما هي تحت الارض ، والمقصود هنا ان الذين ارادوا فرض سلطتهم بالقوة قد سقطت رهاناتهم بفعل اختلال توازن القوى الميدانية لصالح الحكومة ، المستندة على اكبر ترسانة اسلحة في المنطقة التى يمتلكها جيش الامريكي ، والمفصل الاخر هو ان االجيش العراقي بات محترفاً ، في حين قوى الارهاب بكل تلاوينها تفتقر للآهلية القتالية والخطط العسكرية ، ولا تصلح مهارات افرادها الا الى عمليات الكر والفر والغدر، وقد خاضوا التجربة بهدف تطويق المدن ومسك الارض ولم يحققوا اي نجاح يذكر في المعارك الميدانية . الى انهم نجحوا في عمليات الاغتيالات والخطف والذبح وسرقة البنوك اي اعمال مافيوية سرية منظمة .
وعلى ذلك كان انسحابهم من الميدان بهدف تغيير في التاكتيك ، اذ كان الظهور المسلح والمواجهات المباشرة مع قوات الامن لم يفض الا الذهاب المؤكد الى الجحيم ، حيث اصبح المسلحون هدفاً مكشوفاً لقدرة سلاح ومقاتلين مدربين لا وجه للمقارنة بينهم وبين الخارجين عن القانون ، ولهذا كان الهروب المبكر والمصحوب بالخسائر الجسيمة هو النتيجة التي انتهت اليها اغلب المواجهات ، وما تمخضت عنها الصولات الامنية الاخيرة خير دليل على ذلك ، وكانت النتائج قد اظهرت بجلاء عجز الخارجين عن القانون امام المواقف الحاسمة ، مما جعلهم يعيدون النظر باساليبهم ، ومن حصيلة الخمس سنوات الماضيات تبين لهم كما يبدو ان العمل الغادر في الازقة والشوارع الخلفية افضل لهم من النزول الى الشوارع الرئيسية ومواجهة القوات الامنية ، اذ ان اغتيال الشخصيات البارزة يخلق رعباً بين الناس اكثر من تفجير دورية عسكرية ، واستخدام لاصقة ناسفة اكثر سهولة واقل خسارة من استخدام سيارة مفخخة ، واستخدام شخص انتحاري افضل وادق من استخدام صواريخ الهاونات العشوائية ، وهذه الاساليب تتمتع بقدرة مارقة اكثر من غيرها والتي بامكانها التسرب من خلال الثقوب واختراق الجدران الامنية وهذا تحديداً ماسمي بالهشاشة في الوضع الامني .
وكان التغيير في الاونة الاخيرة ملموساً في تاكتيك الارهابيين والخارجين عن القانون ، وتجلى ذلك في ارتفاع حالات الاغتيال للشخصيات الوطنية البارزة في الدولة والمجتمع وحتى من عموم ابناء الشعب العراقي الذين انضموا الى صفوف المدافعين عن العملية السياسية ، اغتيال بعض قادة الصحوات على سبيل المثال وليس الحصر، وكان آخر نتائج تاكتيك الارهابيين هو ، اغتيال الشخصية الوطنية والكادر الثقافي الشهيد الدكتور ( كامل شياع ) مستشار وزير الثقافة ، ومن طرفنا نستنكر هذا الفعل الجبان الغادر الذي راح ضحيته ما يمثل ابرز العقول النيرة التي يتوقف عليها مستقبل الثقافة العراقية وبناء صرحها الحضاري الزاهر ، ولعل هذه العملية الاجرامية القذرة تفتح اعين المسؤولين في الحكومة على خطورة تغيير اساليب الارهابيين ، وما يفرضه ذلك من اجراءات عالية المسؤولية وبحس امني حذر ، وفي ذات الهم يتوجب الاخذ بعين الجد والتحري عن تلك الاخبار التي تؤكد بان المجرمين الهاربين خارج الحدود من جراء الصولات الامنية الاخيرة قد عادوا بعد ان تدربوا بعناية وتزودوا بقوائم تضم اسماءاً لشخصيات من صفوة المجتمع العراقي بهدف تصفيتهم جسدياً ، وهذا ما اشارت اليه الاخبار التي ذكرت بأن قوات الامن في البصرة قد القت القبض على متسلل جاء من عبر الحدود الايرانية في منطقة التنومة وضبطت معه قائمة طويلة باسماء شخصيات هامة في المجتمع البصري مطلوب اغتيالها ، هذا المشهد الاخير في مسلسل المعارك الوطنية مع الارهابيين والخارجين عن القانون ، سيخلق اهتزازاً عنيفاً في التحسن الامني الذي مازال هشاً ، وربما تتبعثر الحالة الامنية من جديد اذا ما جرى اهماله ، والعهدة على المسؤولين .