علي عرمش شوكت
الجمعة 26/11/ 2010
اشكالية تشكيل الحكومة وكلفة ما بعد التكليفعلي عرمش شوكت
تشكيل الحكومة العراقية يدخل مرحلة يطغي عليها الترقب الحذر، ولم يبق من السياسات الباطنية المعتمدة لدى الكتل المتنافسة دون ان يخرج للعلن من خلال التصريحات والتصريحات المضادة ، ومن كثرة الاصوات الشاجبة واللاعنة والمهددة والساخطة، لو جئنا بالعديد من المرادفات الاخرى فلم يعد بالامكان وصف جلبة تشكيل الحكومة. وعندما اقيمت طقوس التكليف الوزاري كانت وكأنها وصول قوارب النجاة لركاب سفينة الكتل التي كادت ان تغرقها زوابع الخلافات والنزاعات حول المغانم ، ولكن الهم الاكبر ما سيحصل عند الوقوف على رصيف تشكيل الحكومة.
ان معادلة التكليف ووجهها الاخر المسمى التشكيل، فأن احدهما يوازي الاخر من حيث التكلفة التي تتجلى بتضخم حجم فاتورة ضياع المال والبنين والزمن التي يدفعها الشعب العراقي، ولايخفى على احد نداءات " الجهاد " المبحوحة التي انطلقت تتصاعد قبل وبعد التكليف في سبيل الحصول على" لب " التشكيلة الوزارية، اي الوزارات السيادية، وكما يبدو قد وضعت لها تسعيرة، اسفرت عن كشف نوايا البعض الذين سارعوا الى نقل ارصدتهم البرلمانية لترجيح كتلة معينة على حساب اخرى، مقابل الحصول على اكبر قدر من الحقائب الوزارية، تتعدى الوزن الحقيقي لها، ولكنها تعاملت بحجم فعلها في تغيير الموازين التي من شأنها ان تمكن الحصول على حق التكليف .
يبدو ان تشكيل الحكومة العراقية ليس بمنأى عن قانون العرض والطلب التجاري، وعليه كانت حصلت التسعيرة للمناصب الوزارية وكذلك سادت المقايضة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر قد تجلى ذلك، بـصيغة اعطيك رئاسة الوزراء واعطني رئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية ، او اعطني رصيدك البرلماني واعطيك كذا عدد من الوزارات، لقد جاء ذلك بعد ثمانية اشهر ونيف الى ان حصلت الخشية لدى هذه الكتل من فقدان كل شيء ، انها لعبة سوق بامتياز، التي لا يربطها اي رابط بالديمقرطية وبمعادلاتها السياسية، واذا ما كانت تعني شيئاً فانها تعني تحويل المقاعد البرلمانية الى سلعة تباع وتشترى ومن الممكن مقايضتها، كما انها تنطوي على تجاهل ارادة الناخب وتجريد المقعد النيابي من قيمته الدستورية التي يفترض ان تصان من خلال توظيفها لخدمة الناخب وليس لخدمة النائب وكتلته .
وعلى مؤشرات الوضع السياسي الساخنة هذه، يسود في الشارع العراقي شعور بعدم الرجا بسبب ضعف البصيرة والعشو السياسي الذي يطغي على نفس ساسة الكتل الكبيرة، فمنهم من يريد اخذ حصته من وليمة الحكومة بالتهديد و الوعيد ، بقوله " اذا لم يعط حقنا فان العراق وشعبه سيتمزق ..!! " ، والاخر يقول " اذا اما اكثرت الكتل بمطالبها فسوف نشكل الحكومة براحتنا ..!!" ، فالاول ينفث سموم النفس الارهابي ، وان الثاني يجيبه بنفس مشبع بفايروس دكتاتوري خطير، فهل هذه الصورة تبعث على التفاؤل والرجا من هؤلاء الساسة الذين ابتلينا بهم، والحال هذا يجعل من كلفة التكليف باهضة واشكالية معقدة لا حل لها اذا ما بقيت على معطياتها الراهنة.
ان الركائز الثلاث لهيكلية تشكيل الحكومة قد اضيف لها ركيزة رابعة والمتمثلة بما سمي بالمجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية، وذلك كحل مفترض للازمة الحكومية، الا ان هذه التخريجة الا دستورية قد اثقلت كاهل المكلف بتشكيل الحكومة، وذلك بارغامه او برضاه على تجاوز الاسس الدستورية، اليس هذه صورة صارخة للمقايضة الناتجة عن تفضيل المصالح الشخصية على المصالح العامة؟ . الى هنا نكف عن التشاؤم اليوم وسنرى ماذا سيحصل غداً، وغداً لناظره قريب.