علي عرمش شوكت
الخميس 24/1/ 2008
الراصدبناء الدولة الديمقراطية المدنية استجابة لمقتضيات العصر
علي عرمش شوكت
تثبت يوما بعد اخر مستلزمات بناء الدولة الديمقراطية المدنية في العراق ، وهذه الاحداث الدامية التي حصلت في محافظتي البصرة والناصرية يؤكد جودها وقبل ذلك اسبابها على انها نتيجة لانعدام الوعي الثقافي الحضاري والسياسي وغياب دور مؤسسات الدولة ، مما اتاح الفرص امام البعض لممارسة الحرية بعقلية العصور الغابرة ، في حين كان الشعب العراقي قد سبق وان اجتاز مراحل عديدة من التقدم الثقافي والحضاري ، غير ان تقلبات الاوضاع وضعف المؤسسات القانونية وانهيار الدولة كان العامل الفاعل في ظهور مثل هذه الحالات المتخلفة التي ابتلي بها شعبنا ، وبطبيعة الحال يرتبط كل ذلك اصلا بتأثير مخلفات النظام الدكتاتوري البائد ، ومن المناسب ذكره هنا هو ان الفوضى التي عمت البلاد وما التحق بها من تداعيات مؤذية كان سببها المباشر غياب دور دولة المؤسسات والتالي ضعف الحياة المدنية ، وانعدام بسط القانون ، وهذه حالة تكاد تكون عامة، فاين ما غابت القوانين وانحط الوعي الثقافي وتصارعت قيادات البلد حلت الفوضى باقسى صورها ، ومع ذلك فان شعبنا يتميز بنزوعه الى الحرية والتقدم الحضاري وفيه ثقل وارث نضالي له تأريخه الطويل قادته القوى الديمقراطية و الوطنية والقومية غير الشوفنية ، ولهذا جاء النداء الذي صدر عن الحزب الشيوعي العراقي ، والحزب الوطني الديمقراطي (نصير الجادرجي) والحركة الاشتراكية العربية (عبد الاله النصراوي) والذي يدعو الى بناء الدولة الديمقراطية المدنية ، جاء وهو يحمل العلاج الشافي والحل الجذري للازمة في البلاد .
ومن المؤكد ان مثل هذه الدولة المنشودة لامكان فيها للاحتقانات الطائفية ولا لتقوقع بعض الفئات بحثا عن ملاذ يقيهم من قساوة المستقبل المجهول ،ولاتأثير لانعدام الوعي الثقافي والسياسي الى الحد الذي ينساق فيه الاف المواطنين وراء دعوات لاتتلامس مع الواقع ، ولاتطرح حلا لاية مشكلة حياتية ، والامر في كل ذلك هو اللجؤ الى العنف كوسيلة لمقاومة اي قانون يحد من هذا الانفلات ، وفي مثل هذه الدولة تكون العدالة الاجتماعية هي اساس الحكم ، وتكون الديمقراطية هي سبيل الوصول الى سدة السلطة ، والحياة المدنية هي التي ترسي اسس الترابط والتمازج بين مختلف مكونات الشعب العراقي ، اي لا موطئ قدم للطائفية اوالعرقية او الفئوية فيها ، بمعنى غلق مواقع انتاج اسباب الازمة واي ازمة لاحقة ، وبالتالي خلق قناعة لدى المواطن العراقي بوجود ما يبحث عنه من ضمانات حياتية جدية آنية وكذلك في المستقبل .
وتأتي الاهمية والضرورة الملحة للتوقيع على النداء المذكور من اهمية حشد كافة القوى الباحثة عن انقاذ الشعب والوطن من محنته المستعصية بفعل التدخل الاقليمي والجهل المطبق والمحاصصة الطائفية ، ومما لا شك فيه ان التخلف الثقافي وانعدام الوعي الحضاري يؤسسان لارضية ومناخ مناسبين لوجود مثل هذه الحالة الكارثية التي تخيم على الوضع في العراق ، ومن البديهي ان تشكل عائقا امام الدعوة لبناء الدولة الديمقراطية المدنية ، ان تأييد هذه الحملة والتوقيع على النداء يكون بمثابة مساهمة جادة للقضاء على الفوضى وانهاء الازمة ، ان هذا البحث عن بناء الدولة الديمقراطي المدنية والذي يشكل الحل الجذري وانقاذ شعبنا وبلدنا من النهب والدمار وعدم احترام القوانين والتجاوز على حقوق الانسان على مختلف الاصعدة لم يأت كرغبة من لدن القوى الدمقراطية التي اصدرت النداء فحسب ، انما هي استجابة ضرورية لمقتضيات العصر الذي اصبح فيه الانسان في البلدان المتقدمة يقوم برحلات سياحية بين الكواكب الفضائية .
صار من الصعب بمكان ان يقبل العالم اي نظام او دولة تعيش خارج منطق العصر ، لقد جرب نظام طلبان في افغانستان ولم يكتب له البقاء ، ويجرب البعض الاخر وسوف يلقى نفس مصير نظام الملا عمر في كابول ، ولن يتوفر اي مستقبل زاهر للانظمة التي تمارس الاستبداد ضد شعوبها، حيث تصادر الحريات وحقوق الانسان وتضطهد وتمييز النساء وتحارب اية نفحة حضارية ، متمسكة بنهج فكري متخلف لا يتماشى مع مجريات تطور وتقدم العالم ، الذي بات قرية كما يوصف ، لهذا ان اي بلد يطمح قادته وشعبه الى الرقي والتطور وبناء دولة متقدمة تضاهي الدول الاخرى ، ينغي ان تبني هذه الدولة على اسس ديمقراطية مدنية ، وفي العراق هذا البلد الذي هو غني بتراثه الحضاري وثرواته التي يحسد عليها ، وانسانه الكفؤ العاشق للحرية والطامح للعدالة والمفعم بحب وطنه ، وبتلاوين مكونات شعبه الجميلة المتآخية ، لا تنقذه من محنته الا دولة ديمقراطية مدنية تضمن وضع الانسان المناسب في المكان المناسب على اساس المواطنة والكفائة ، وتتيح الحريات وتصون حقوق الانسان ، وتضمن حرية وحقوق النساء ، وتحافظ على ثروات البلد من الفساد وتوزعها على سكانه بعدالة ، وتدافع عن وحدة تراب وطنه ضمن فدرالية مع اقليم كردستان .