علي عرمش شوكت
الخميس 28/1/ 2010
الازمة العراقية ازمة سياسية ام ازمة قيادة ؟؟علي عرمش شوكت
عندما سقط النظام الدكتاتوري تم التعبير عنه باللهجة الدارجة ( طاح الصنم ) وفي هذا القول معنى ضمنية تدعو الى نهوض البلد بعد ان كسرت قيوده ، و بما ان للحرية ثمن فانه ليس من اليسر تقدير حجمه ، ولا بالامكان التحكم بتداعياته ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر ، ضاعت هياكل الدولة العراقية في سياق دفع ثمن الحرية ، التي كانت مغتصبة من قبل النظام البعثي الفاشي ، ومن هنا حصلت الازمة في هذا البلد ، واذا ما غربلنا الاسباب العديدة لهذه الازمة سنخلص الى سبب رئيس من بينها ، الا وهو عدم جاهزية البديل الديمقراطي ، الذي غيبته التدخلات الخارجية سوى كان ذلك بفعل الاحتلال الذي ابعد الحل الوطني ، او بفعل الاجندات الاقليمية ، التي هي الاخرى قيدت الجهد الوطني المستقل للاتيان بالبديل الديمقراطي المنشود .
والصيرورة التي قام عليها النظام السياسي الحالي وفق قاعدة التوازن الطائفي والقومي ، ولدت بدورها عواملاً اخرى اضافت مكامن وجع خطيرة من شانها ان تسلب عافية مستقبل العراق الديمقراطي الجديد ، هذا اذا ما كانت هنالك بقايا عافية فيه ، وما يتوجب ذكره هو تدني القدرات القيادية الكفؤة المجردة من الذاتية التي تتحكم فيها المصالح الفئوية و الشخصية ، كما ان منافع السلطة وامتيازاتها المطلقة بفعل ثراء البلد قد حولت من كان لا يحلم حتى بمجرد حلم بفتات منها الى مرتهن مصيرياً بتلك الامتيازات ، مما جعله يكرس كافة قدراته للدفاع عن حياض حصته من السلطة والمال ، بالمناسبة وعلى سبيل المثال وحسب اقرار احد نائبي رئيس الجمهورية ، بانه يحصل على مليون دولار امريكي شهرياً ماعدا راتبه كمنافع عامة ، فماذا بقي لدى المسؤول ليسخره في تادية مهمته الوطنية ، هذا اذا ما كان يشعر اصلاً بان لديه مهمة وطنية .
ان للازمة ابعاد مختلفة احداها تولد الاخرى ، ابتداءاً من التغيير بواسطة الاحتلال الذي انتج ازمة نظام قائم على المحاصصة الطائفية السياسية ، وهو بدوره كان سبباً فاعلاً في ايجاد ازمة ثقة بين الاطراف السياسية العراقية ، وبخاصة الحاكمة بالرغم من كونها شريكة في قيادة العملية السياسية ، وتبعاً ذلك تتجلى ازمة قيادة الحكم المنوط بها التصدي لمهمة اعادة بناء الدولة العراقية التي تبخرت على اثر سقوط نظام صدام المقبور ، فلم تظهر امام العراقيين شخصية قيادية تتمتع ( بكارزمة ) قوية وبالحنكة وبالفعل المؤثر لحل معضلة من تلك التي طفحت على سطح الاحداث خلال السنوات الستة الماضية ، انما العكس هو الاكثر حضوراً ، بمعنى ان اغلب الشخصيات السياسية المعنية بالقرار تبرز في حالة متأزمة اكثر من الازمة القائمة ، وليس بامكانها ان تمثل غير التداعي السياسي المخجل حقاً .
يمكن هنا ذكر بعض الامثلة حول ما اشرنا اليه فان من ابرز ما يلاحظ هي الاتهامات والتوصيفات الجارحة المتبادلة بين اركان قيادة العملية السياسية ، كالذي حصل بين رئيس الوزراء السيد المالكي ونائب رئيس الجمهورية السيد الهاشمي قبل ايام ، وللاسف يجري ذلك على طريقة الضرائر حين يختلفن حيث يعيّرن بعضهن البعض بالنواقص وما حصل في الماضي من هفوات ، فلا يليق ذلك بمثل هذين المسؤولين من ذوي المقام العالي في منظومة الحكم .
وهنالك مثل اخر يصب في نفس الدلالة وهو انبراء اكثر من مسؤول له صفة اعتبارية عراقية عامة بالتحيّز الى قوميته اوطائفته في قضية خلافية بين هذه المكونات ، كتصريح السيد رئيس الجمهورية العراقية مام جلال عن مدينة كركوك المشتدة الخلافات حولها ، حيث اعتبرها مدينة كردستانية ، اما الوزراء فكثيرة هي الامثلة من هذا القبيل التي تدور حولهم ، ويمكن ان يكون ابرزها هو تعيين الاقارب والانساب والمحسوبين في وزاراتهم ودون غيرهم ، ودون الشروط المطلوبة للتوظيف ، البطالة تضرب اطنابها بين القوى العاملة العراقية ، حيث اعترف قبل ايام وزير التخطيط السيد علي بابان وبصراحة متميزة طبعاً بمثل هذا الامر اي بتعيين اقاربه في وزارته .
هذه من تجليات الازمة الشاملة حيث تطال كافة اوجه النظام السياسي العراقي ، غير ان الشكل الابرز والاخطر على مستقبل العراق وشعبه وامنه ، هو انحياز بعض المسؤولين من الكتلة الحاكمة وظهوره في وسائل الاعلام مدافعاً عن دولة اقليمية ادينت بالملموس في دعم الارهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للبلد ، والتجاوز على سيادته وثرواته ، وكأن ذلك المسؤول العراقي ممثلاً لتلك الدولة الاقليمية المدانة بالتجاوز ، وليس مسؤولاً عراقياً يفترض ان يكون حريصاً على مصالح شعبه قبل اي شيء اخر ، ويبدو مما تقدم من تأشيرات على مكامن الازمة المستفحلة في العراق بان بؤرتها الاكثر خطورة تتمركز في القيادة الحالية للبلد ، والكرة كما يقال الان في ملعب الناخب العراقي الواعي والحريص على مصير ومستقبل شعبه ووطنه ، وعليه تقع المسؤولية الولى في تغيير هذه النخبة التي لم ترتق الى مستوى مهمة اعادة بناء الدولة العراقية ، والاتيان بالبديل الديمقراطي المنشود ، الذي يصون العراق الجريح من كافة المخاطر التي تحيق بوحدته وسيادته وثرواته وحياة شعبه الابي .