علي عرمش شوكت
الجمعة 28/1/ 2011
لعنة احتكار السلطة وثورات ضحايا الاضطهادعلي عرمش شوكت
لم يسقط التاريخ من حساباته يوماً مآثر تلك الثورات الشعبية التي قامت بها ضحايا الاضطهاد، ابتداءاً من ثورة العبيد بقيادة اسبارتكوس مروراً بالثورة الفرنسية وثورة اكتوبر البلشفية وثورات الشعوب الاخرى، والى ثورة الياسمين في تونس، و ربما كدنا نقول انتهاءً بهذه الثورة لولا سماعنا لصداها المدوي في اكثر من بلد عربي والذي كان ابرزه لحد هذه الساعة يعتمل في ارض الكنانة، وليس من المنطق ان يطلق عليها " عدوى " انما حقيقتها وجود عوامل مشتركة من ابرزها على الاطلاق احتكار السلطة من قبل حزب او فرد او عائلة مهيمنة على مقدرات البلد لعقود من الزمن، كانت الشعوب تدفع خلالها فواتير الدم والجوع والحرمان والاضطهاد الجهنمي.
وكم كانت ضحايا الاضطهاد هذه تحلم بيوم انفجار غضب الجماهير، ولم يكن ببعيد قطعاً، وها هو يتجلى بثورة قد حصلت في تونس وهي تلوح ايضاً في مصر وغيرها، و بالرغم من ان هنالك سمات مشتركة بين طبيعة الحكام المستبدين في بلداننا العربية الا ان عوامل نضوج الثورات فيها تختلف بمقدار نضوج القوى المحركة والقائدة، واقرب مثال علينا نحن العراقيين، حيث استدام الاستبداد الى ان ازيح بعوامل خارجية للاسف الشديد، هذا هو حلم احرار العراق الذي لم يتحقق وما يعانيه شعبنا اليوم من تداعيات مؤلمة خير دليل، وانما يدفعنا الى قوله بالحاح هو هاجس الخشية على مستقبل الثورة التي طالما سجل تاريخ الشعوب بضياع اعظم ثوراتها لفقدان التوازن بين امكانية نجاحها والقدرة على حمايتها من المتربصين والمتسلقين الذين في الغالب يستندون الى كل ما من شأنه ان يوفر امكانية حرفها او اسقاطها والتاريخ شاهد على ذلك في اكثر من مناسبة . وربما ابرز مثال هي ثورة 14 تموز 1958 في العراق.
ومن نافلة القول ان ثورة 14 يناير ديسمبر 2011 في تونس قد دشنت ولها السبق في تفجير ثورات ضحايا الاضطهاد الشعبية البيضاء في عالمنا اليوم، بالرغم من ان راياتها قد صبغت بلون دم الثوار الاحمر الذي كان لابد ان يُدفع ثمناً للحرية، وليس بامكان كائن من كان ان يدعي بتفجير الثورات غير عامل وعي الناس لاهمية تقرير مصيرها واختيار طريق الديمقراطية ونيل الحريات العامة والخاصة دون وصاية او فرمان من اية جهة جاءت، في سبيل تحقيق ضمان العدالة في العيش الكريم. فما طغى على الشعارات التي رفعتها الجماهير الزاحفة نحو القصور الرئاسية، هو المطالبة بالخبز والحرية واسقاط الحكام الذين تعفنوا وعتقوا وشاخت انظمتهم الاستبدادية ولم يبقى فيها سوى العنف الذي تجاوزته الجماهير هو الاخر، وغدا يتهاوى ولا يصمد امام الهتاف والحجر البسيط الذي هو قوى بعزيمة الثوار.
ان الحرية لا تعطى والكرامة لا تصان والعيش الكريم لا يتوفر والسيادة الوطنية لا تحرس الا بقوة عزيمة الجماهير الثائرة لنيل هذه المطالب، وليس اكثر من شاهد على ذلك، سوى تلك العقود من السنين التي ساد فيها الظلم والقهر والحرمان ببلدان عدة لكون الناس فيها كانت منكسرة تحت سيوف الحكام المستبدين ومحتكري السلطة ومورثيها لابنائهم. وقد تبين مؤخراً ان ذلك الانكسار كان بحاجة لمن يحرق نفسه كما فعل ( البوعزيزي ) ليوقد بجسده الطاهر شعلة الثورة التونسية، يبدو ان هنالك الكثير من امثال ذلك الثائر التونسي الذي احتل مكانه في قلوب كافة رواد الحرية وضحايا الاضطهاد في العالم. وحرق اخر نفسه في اليمن فثارت الجماهير، واقتفى اثره ثالث في مصر فاشتعلت الثورة ، حيث بدأت تحوم فوق سماء القصور الرئاسية لعنة احتكار السلطة والتي اطاحت بشكل جميل بابن علي التونسي، ونقلته من قصر الرئاسة متسلطاً الى قصر العدالة مذنباً.