علي عرمش شوكت
السبت 28/2/ 2009
الناخب العراقي ينتظر سماع صدى صوتهعلي عرمش شوكت
كانت وستبقى العملية الانتخابية افضل وسيلة لتداول مواقع القرار بصرف النظر عن ما يكتنفها من غموض وانعدام الشفافية وحتى التلاعب باسسها القانونية الدستورية ، فهي على العموم استخلاص لارادة الناس ، مع كون هذه الارادة تتعرض على الدوام الى المصادرة او التزوير ، زد على ذلك اعتبار الانتخابات هي النظام الديقراطي بحذافيره فحسب ، متناسين كونها احد مفاصل هذا النظام ، ولم يأت ذلك الا لتحجيم الديمقراطية وجعلها بحدود الادلاء بالصوت دون ادنى وفاء للناخب ، الذي يبقى ينتظر سماع صدى صوته معَبراً عنه بالانجازات الخدمية وكذلك بصيانة المصالح الوطنية .
عند متابعة لوحة الوضع السياسي العراقي يشاهد المرء تصدعاً في بنية النظام الذي يعول عليه في بناء الدولة الديمقراطية المنتظرة ، الذي بات كالمنجل المكسور حيث حصاده اتلافاً للغلال ، وها هي حصيلة انتخابات مجالس المحافظات التي قدمت دلالة لا لبس فيها ، حول فشل ذريع ليس في القدرة على تطبيق الآلية الديمقراطية فحسب ، وانما حتى في صيانتها من التلاعب ومسخ مبادئها ، وطالما ظل هذا الحال يصب في صالح الكبار من الكيانات المتنفذة فلا رجاء باصلاحه ، بل ويتم تقنينه من خلال اصدار قوانين تشرّع لمصادرة ارادة المواطنين مثل ما انطوى عليه قانون انتخاب مجالس المحافظات الاخير ، اما صفحة العلاقات البينية لكبار النخبة الحاكمة فلا يحسدون عليها ، اذ غالباً ما تبنى على المقايضات النفعية الذاتية ، واذا ما حصل اي اختلاف او مساس بحصة طرف من الاطراف لا يتوانى احد منهم عن نسف الجسور وكشف المستور حتى وان تم كلك على حساب المصالح الوطنية العامة .
اما صورة ما بعد الانتخابات الاخيرة فكانت مجسِمة لسياسة الانفصال عن هموم المواطنين ، فبدلا من ان تتحرك الحكومة لانجاز مطاليب الناس المعيشية والخدمية ، راحت تلوح بالتراجع عن سلم الرواتب الحالي ، بمعنى التعسف بلقمة عيش الناخبين ، وتجري سجالات حامية في مجلس النواب لتمرير الموازنة المالية للعام الحالي ، والتي تنطوي على بنود من شأنها المساس بما يتعلق في احوال المواطنين الحياتية ، وفي مقدمتها الرواتب والمخصصات ، كما يمتد ذلك التجاوز الى الموازنة الاستثمارية اي ما يخصص للخدمات العامة ، كل ذلك يأتي وما زالت اعلانات الدعاية للقوائم الفائزة تغطي الجدران حيث ملئت بالوعود لتحقيق الرخاء للجماهير الغفيرة ، وكما يبدو قد تبخرت بعد يوم واحد من انتهاء العملية الانتخابية ، فاي تعبير هذا عن الوفاء للناخب الذي منح صوته على امل ان يتحقق له بعض من الحاجات اليومية المفقودة ، الا ان الامور جرت على عكس ما كان منتظراً ، الامر الذي يدعو الناخب الى التأمل والمراجعة وربما التراجع عن تأييد العملية السياسية .
ان استمرار الكتل الفائزة بادارة ظهورها الى مطالب وهموم الناس الحياتية فلا يعني ذلك سوى انها تقوم بعلمها او بعدمه بتقويض جهود اعادة البناء لدولة المؤسسات وجعل عملية الانتخابات لا طائل منها في نظر الناخبين العراقيين الذين للآن يمارسها نصفهم و يقاطعها نصفهم الاخر، مما يدفع الناس الى اليأس والاحباط وفقدان الامل ، وفي ذات الوقت يؤدي ذلك الى توفير افضل وسائل الدعم غير المباشر لاعداء الديمقراطية في العراق ، للعلم ان الخاسر الاكبر من هذا التداعي هي النخبة الحاكمة لكونها المستفيد الاول من الوضع السياسي الجديد ، ان ما هو مطلوب تحقيقه من الذين فازوا ووضعوا في مواقع القرار لصالح من انتخبوهم لا يساوي سوى نسبة كسور عشرية من ما يحصل علية الفائزون ، ومع هذه النسبة البسيطة ولكنها لاتجد لها اي صدى لدى المعنيين ، بالرغم من انها تصدرت اعلانات الدعاية الانتخابية لهذه الكتل الكبيرة .
تقول الحكومة انها تواصل رفع مستوى تصدير النفط ويعني ذلك زيادة الواردات المالية ، هذا اذا ما عرف ان الاقتصاد العراقي اقتصاداً ريعياً ولايعتمد على الانتاج الاجتماعي ، ذلك ما يلقي على كاهل الحكومة المسؤولية الكاملة لتحقيق العدالة الاجتماعية واعادة توزيع الدخل الوطني لصالح خلق رفاه اجتماعي ، وتنمية البلاد على مختلف الصعد ، ولهذا تميل اتجاهات الرأي العام العراقي الى لوم اؤلئك الذين تحملوا المسؤولية ولم يعالجوا اوضاع السواد الاعظم من الناس الذين يعانون العوز والفقر والبطالة وارتفاع اجور السكن ، هذا وناهيك عن فقدان الخدمات العامة ، والان يبحث المواطن المغلوب المخدوع بتلك الشعارات الانتخابية لبعض القوائم التي ملأت الدنيا ضجيجاً بوعودها الوردية التي وصل بعضها الى فتح ابواب الجنة امام من يدلي بصوته لصالحها عن الوفاء ، بيد ان جنة المخادعين والفاسدين قد تحولت الى نار لتكريس الفقر في حياة المواطنين والى نار نزاع بين الكبار الفائزين حول المغانم يمكن ان تجعل البلاد برمتها الى حطب لها .