علي عرمش شوكت
الخميس 29/11/ 2007
الراصدتجهيل وجهل يتوجهما التجاهل !!
علي عرمش شوكت
* - التجهيل :
ابتليت اكثر من ثلاثة اجيال ابان الحقبة الصدامية بالتخلف والجهل السياسي ، وقد كان ذلك نتيجة لسعي منظم من قبل النظام ورأسة صدام حسين بالذات، وقد تعددت الاساليب التي جاءت على ضوء خطط ممنهجة ، ومنطلقة من هاجس الخوف من اجيال ولدت ضمن تلك الفترة وهي تفتقد القدرة على شق طريقها للمستقبل ، حيث قطعت معظم هذه الجموع عن ثدي العلم وصدر الدراسة وزجت في احضان الموت الرابضة على الحدود او عبرها ، بغية تسديد فواتير حروب عبثية لاطائل منها ، والغاية المباشرة كانت بناء اسوارا عالية لحماية مملكة الاستبداد الصدامية ، وكانت من اولى وسائلها سحب الشباب الى خارج حاضرة التطور العلمي التقدمي ، والاهم من كل ذلك الهبوط بهم عن صعيد الوعي السياسي ، بهدف عدم الاطلاع على تاريخ الحركة الوطنية العراقية الباسلة و طمس معالمها ، لكي يبقى مسرح التاريخ السياسي العراقي لايستوعب غير تاريخ حزب البعث الذي اختصره صدام بحدود تأريخه الشخصي ، وقد جرت هذه المسارات السياسية والفكرية الفاشية بالتزامن مع مسار القمع والتصفية الجسدية للقوى السياسية الوطنية الشيوعية والديمقراطية والقومية والاسلامية ، زد على ذلك قطع الاواصر الثقافية والفكرية والسياسية مع العالم ، لقد منعت الكتب والمجلات والستلايت والموبايل و الانترنيت وشبكات التواصل الحضاري الاخرى .
وكانت العوامل الاقتصادية وظروف المعيشة القاسية والتي كرسها الحصار الجائر قد فعلت هي الاخرى فعلها في تعثر قدرة الشباب من العوائل المحدودة الدخل ومن الطبقة الوسطى على مواصلة الدراسة ، والانقطاع عنها قبل تجاوز المرحلة المتوسطة في الاغلب، مما جعلهم تحت طائلة قوانين الخدمة العسكرية ، بيد ان العبرة ليس في هذا ، وانما في عدم التسريح من الجيش بذريعة تواصل الحرب ، الامر الذي مدد الخدمة العسكرية الى اكثر من عشر سنوات ، بعدها يخرج الشاب وهو مدمر نفسيا ومعنويا وبلا مستقبل يذكر ، لايمتلك اية مؤهلات سوى القدرة العضلية التي لاتمكنه من تحقيق ادنى مستويات العيش في احسن الاحوال ، هذا في حال استخدمها بنزاهة ، وبفعل هذه التداعيات الحياتية لثلاثة اجيال نشأت في زمن الدكتاتورية تحول العديد منهم الى سبل العيش الطفيلية ، والبعض الاخر الى خارجين عن القانون ، وان الخمسين الفا او اكثر الذين اطلق صدام سراحهم من السجون قبيل سقوط نظامه خير شاهد على ما ذكرناه، وهذه الصورة تعد من ابرز تجليات التجهيل المتعمد الذي اعدت ادواته وانتجته آلة الاستبداد ومصادرة الحريات وحقوق الانسان .
* - الجهل :
وكان ما جنته تلك الاجيال الثلاثة هو المزيد من الجهل العلمي والسياسي ، والثقافي وعدم القدرة على صواب اختيار طريق المستقبل الحضاري ،ان حاصل ذلك التجهيل كان جهلا بامتياز،وقد انتشر بين اوساط واسعة وخلف ضحايا عديدة من مختلف الفئات الاجتماعية ، ومن مظاهره الصارخة الاخرى هي تلك التي برزت في عملية الانتخابات الماضية ، حيث ان جموعا من المغيبين عقودا عن السياسة والعلم والثقافة ، لم تبحث عن البرامج السياسية للقوائم ، ولا عن حقيقة المرشحين ، وراحت تدلي باصواتها بعواطف مجردة ، منساقة خلف دعاوى وفتاوى ، غير آبهة بما سيعكسه ذلك على عملية اعادة بناء العراق الديمقراطي الجديد ، ولا على تحسن حياة الناس المعاشية ، بسبب انها كانت تفتقر الى الوعي السياسي اللازم ، ناهيك عن افتقارها للوعي الانتخابي كما انها تجهل تماما معنى الديمقراطية ، غير انها راحت تبحث عن بطل ينقذها من ما هي فيه ، من دون الاكتراث عن جوهر ذلك البطل الحلم ، وثمة صورة اخرى تجلى فيها الجهل القاتل ، الا وهو الاندفاع الاعمى نحو التجييش والاحتراب الطائفيين ، وتشكيل المليشيات التي وضعت نفسها فوق القوانين ، وكذلك عصابات الجريمة المنظمة ، والانتماء الى التشكيلات الارهابية التكفيرية الاخرى ، والانظمام الى زمر القاعدة المعادية الى كافة اطياف الشعب العراقي ، اما الفساد الاداري والمالي فما هو الا صورة جلية للتخلف والجهل السياسي والوطني ، ان قائمة تجليات الجهل الخطير تطول وهنا لابد من الاشارة الى اعمال العنف التي مورست ضد النساء ، وكذلك اخذ الجهل منحى عنصري، حيث قامت عصابات الجهلة والمتخلفين باضطهاد اتباع الديانات الاخرى من الاخوة المسيحيين والاصابئة والازيدين وغيرهم .
*- التجاهل :
وازاء كل ذلك الارث من التجهيل المتعمد ونتائجه المتمثلة بالجهل السياسي الواسع الانتشار في الشارع العراقي مع الاسف الشديد ، يتوج بالتجاهل ،حيث لم تتخذ اية اجراءات للحد منه ، وتأتي الفوضى العارمة التي سادت في الوضع العراقي لتزيد الطين بلة كما يقال ، ولكون الجهل فايروسي الامتداد اي انه اذا لم يلق مكافحة مبكرة فلا يتوقف عند حدود معينة ، وقد غدا يلمس منتشرا هذه الايام في عموم مرافق الدولة ، الامر الذي يشكل خطرا متقدما على العملية السياسية ، وعلى مستقبل الدولة العراقية ، وعلى وحدة الشعب العراقي ، وكذلك تعم خطورته على وحدة البلاد ايضا ، وهو بكل تأكيد عامل هام في تهيئة الارضية الخصبة للفساد بكل اشكاله ، ويمكن ان يفتح منافذ لتسلل الارهابين وتوظيف امكانيات الدولة في اعمالهم التخريبية ، وعلى ذلك تطرح بعض الاسئلة التالية : لماذا يشغل الجهلة العديد من الوظائف الحكومية الهامة بوثائق دراسية مجهولة المصادر، ولا احد يكترث بذلك ؟ ، في حين يشغل العديد من اصحاب الكفاءات العلمية والثقافية مقاعد البطالة ، ولم يحسب لهم اي حساب يذكر !! ، ولماذا اصبح اغلب المثقفين العراقيين تحت طائلة العوز ، في حين احتل الجهلة الحواسم مواقع الصدارة في الغنى ، ويمسكون بعتلات حركة التجارة العراقية تقريبا ؟ نعتقد ان الامر متروك الى مجلس النواب لمعالجته .