علي عرمش شوكت
افاقت طهران .. فابتسمت واشنطن
علي عرمش شوكت
ان تفاقم الوضع القتالي في سورية وتحوله الى صراع نفوذ بين الغرب المتمثل في الولايات المتحدة واوربا الغربية وتوابعهم في منطقة الشرق الاوسط، وبين روسيا والصين وايران من جانب اخر، قد رسم لوحة استقطاب جديدة من شأنها ان تغير ظاهرة "القطب الواحد" التي وجدت على اثر غياب المعسكر الاشتراكي وفي مقدمته الاتحاد السوفيتي. ولم يكن في حسبان الغرب بان" الفيتو" الروسي سيرفع بوجهه اذا ما طبق سيناريو اسقاط حكم " القذافي" في اسقاط حكم" بشار الاسد". فراح يتمادى في غيه لتطبيق خططه في سوريا، بغية ازاحة اقرب خصوم اسرائيل في المنطقة، غير ان التحرك الروسي الصيني بالتحالف مع ايران قد افضى الى منع تطبيق الاجندة الغربية، مما فرض على واشنطن ان تعيد حساباتها ازاء ايران، وتبعاً لذلك تغيير موقف البيت الابيض الامريكي حيال الوضع في سورية، وبخاصة عندما اتضح امامه سريان المد الايراني الذي شكل عامل خطورة على حليفته اسرائيل بمعاير اكثر تأثيراً مما تمثله سوريا كما يبدو.
وقد ارسى هذا التحالف الروسي الايراني الصيني الاساس "الكونكريتي" لاحياء "القطب الثاني" على النطاق الدولي من جديد، لاسيما وانه يبدو قد كسب ود بعض قوى الاسلام السياسي "الشيعي" المتمثل بايران واتباعها في منطقة الشرق الاوسط، وظهر وكأنه مقابل تحالف الغرب مع قوى الاسلام السياسي "السني " الامر الذي ادى بالغرب الى ان يفرمل اندفاعه في حصار ايران الهادف الى انهاء برنامجها النووي، وفي الاونة الاخيرة رَشحت بعض الاخبار مفادها ان ثمة مفاوضات سرية جارية بين واشنطن وطهران منذ اكثر من عام مضى، سعياً لتهيئة مناخاً للتفاهم بين طرفي الصراع،وتوصيفاً لما يحصل من تطورات سياسية، فانه لم يفسر غير كونه افرازاً لتلك المفاوضات، ومن ابرز معالمه ما تجلى من مقدمات على الصعيد الايراني الداخلي الذي جاء في سياقه السماح للرجل الاصلاحي " حسن روحاني" بالفوز بمنصب رئيس الجمهورية الايرانية، حيث ان التشدد الذي طبع سياسة "نجاد" الرئيس الايراني السابق،لم يكن في ظله حصول امكانية الانعطاف المباشر نحو التقارب مع الغرب.
وبذلك تتضح نتائج سياسة واشنطن لاغراء ايران بالابتعاد عن التحالف مع روسيا، وليس رجماً في الغيب حينما يشار الى ان الولايات المتحدة ليست لها مشكلة مع قوى الاسلام السياسي عموماً، وبامكانها ان تحقق وتضمن مصالحها من خلال هذه القوى الغارقة بالغيبيات وتأملات" القدر"، التي لا تصمد امام حركة كثبان السياسة السريعة التغيير، لاسيما اذا ما اغريت بتحقيق اهداف مشتركة ملحة، وبخاصة منع القوى الديمقراطية واليسارية الرديكالية العلمانية عن استلام زمام الامور في بلدانها، تجلى هذا بوجه خاص بعد ان فشلت الانظمة اللبرالية اليمينية في هذه البلدان، على اثر ما سمي بـ " الربيع العربي " واذا ما كانت واشنطن وعموم حلفائها الغربيين قد تحالفوا مع قوى الاسلام السياسي "السني" وعلى وجه التحديد " الاخوان المسلمين" وابرز مثال على ذلك موقفهم من ثورة الثلاثين من يونيو 2013 المصرية. فما هو المانع اذن من ان تَقدم على تحالف مع القوى الاسلام السياسي "الشيعي" سيما وان ذلك سيضعف امكانية نشوء القطب الدولي الجديد.
لاشك ان ايران قد ضمنت عدم التعدي عليها وعلى حليفتها سورية عسكرياً بحماية تحالفها مع روسيا، ولكنها تدرك ان ضمان اوضاعها الاقتصادية التي شبه منهارة بفعل الحصار الغربي الخانق، غير ممكنة وهي باقية في خصام مع الغرب والولايات المتحدة تحديداً، وانطلاقاً منه وبعد التدهور الموجع في جميع مجالاتها الاقتصادية افاقت طهران فخفضت من مكابرتها فيما يتعلق بانتاجها من " اليورانيوم المخصب " . والجدير ذكره ان واشنطن سرعان ما ابتسمت لهذه " الصحوة الايرانية" ، وعلى اثرها اقدمت على اقامة لقاءات عاجلة مع طهران، ومع ذلك بقيت خطوات الطرفين وجلة ، خطوة الى الامام ، وخطوة الى الوراء،لانعدام الثقة بينهما التي ترسخت عبر عقود من الخصام على مختلف المستويات.
هنالك امر لابد من الاشارة اليه او التساؤل حوله، ينصب عن مستقبل التحالف القائم بين موسكو وطهران، هل سيتفكك عندما تجد ايران انفتاح ابواب الغرب لها وفقاً لشروط ممكنة قادرة على الالتزام بها ؟، وهل تجازف بفقدان تحالفها مع روسيا ؟ . ومن استقراء للوحة افق التحالفات الايرانية الروسية على المدى المنظور هو، ان روسيا بحاجة هامة لهذا التحالف، خصوصاً وانه يمس امنها القومي، باعتبار ايران جارة تحدها من الجنوب الذي توجد فيه قوميات مسلمة فيها حركات تنازع روسيا على الاستقلال مثل الشيشان وغيرها، واذا ما حصلت هذه الحركات على اي احتضان لوجستي من ايران او حتى شيء من اللامبالاة باعمالها المضادة لروسيا حينها ستشكل خطراً على وحدة البلاد الروسية. اما ايران فهي الاخرى ستبقى بحاجة الى تحالفها مع موسكو الى مدى غير قصير، نظراً لانعدام ثقتها بالغرب، الا ان ذلك مرهوناً بنوع القيادة الايرانية، فاينما تبدلت تبعاً لذلك ستتبدل المواقف، ولا يوجد امر مستحيل في السياسة.