علي عرمش شوكت
الأحد 2/12/ 2007
الراصدللمصالحة قواعد فلا تقيد بالاستثناءات
علي عرمش شوكت
تحركت القوى الوطنية العراقية منذ اكثر من سنتين باتجاه المصالحة الوطنية بين مكونات شعبنا المختلفة ، واعتبرت تلك الخطوة بوابة الفرج للازمة العراقية ، غير ان الوضع الامني المتردي كان يبدد تلك الجهود الوطنية الخيرة المنصبة في ذات السبيل ، حيث كانت قوى الارهاب والتكفير الواردة عبر الحدود والى جانبها عناصر الدعم اللوجستي المحلية من مخلفات الدكتاتورية تراهن جميعها على ذبح العملية السياسية على قبلة ( اسلام طلبان ) ، وارجاع البلاد الى عهد الاستبداد الصدامي ، وتشبثا بحلم ما سمي ب( المقاومة ) راحت جبهة التخلف وتجار الموت يسوقون للفصل الطائفي اولا ، وخلط الحابل بالنابل ثانيا لتأتي خرافة ( الدولة الاسلامية ) فتشكل النظام البديل رغم ارادة العراقيين !! ، في هذا المناخ المغبر خفتت مصابيح المصالحة الوطنية ، تلك التي بعثت عندما القت بضوئها الامل لدى جميع المواطنين العراقيين، ولكن قوى الارهاب الظلامية قد فزعت منها وراحت تسميها الردة والخيانة للامة ! وكأن الاخلاص للامة لايتحقق الا بذبح العراقيين عن بكرة ابيهم ، وتسليم البلد الى( شيخ ) قد يكون من الافغان ليكون خليفة المسلمين على ارض الرافدين .
وتواصل ذلك حتى في الوقت الذي نهض فيه العراقيون من تحت انقاض بيوتهم واشلاء بعضهم وتمكنوا من كسر شوكة الارهاب العائق الاشد في طريق التوافق ، حيث راحت جهود المصالحة تغط بغفوة كما يبدو ، ولكن الادهى من ذلك هو ان البعض من النخبة الحاكمة تولد لديه شعور بالسيطرة وامتلاك زمام الامور وقوة الردع ، فاخذ يغير اولوياته وتنفس على ضوء قوته الحالية بنفس المقتدر الذي ينبغي ان يطاع !، دون ان يدرك هشاشة ماحصل من تحسن في مجال الامن ، الذي ينبغي تعضيده بفسحة ضرورية من التسامح ، ولكي يكفل تخفيت سخونة الخلافات ، وبالتالي خلق المقدمات الضرورية للمصالحة ، خصوصا وان السبب الرئيسي قد انكسر وهو العنف والعنف المضاد ، ولكن وللاسف الشديد باتت المصالحة تعني لهذا البعض امرا ثانويا ، وعلى الاخرين القبول بما يراه هو لشكل المصالحة المطلوبة ، وربما لخصها بمجرد قرار يتخذه منفردا ،وقد تبدى ذلك باكثر من موقف ، اقلها التحلي بطبع النزوع الى معالجة اخطاء الجهة الاخرى بحزم شديد يصل احيانا الى المواجهة الكيدية ،التي تخلق بالضرورة ردود فعل من شأنها توسيع الفجوة ، ولاتساعد على خلق اجواء تصالحية .
وفي الطرف الاخر يبدو ان تحسن الامن واندحار الارهاب قد افزع البعض ممن لايردون للشعب العراقي خيرا ، ولم يستثن احد منهم لا شاردة ولا واردة وشحذها لصنع ثغرة لنسف ما تحقق على صعيد الامن والذي اساسا ما زال هشا ولايصمد امام اية هزة ، علما ان تحذيرات عديدة مخلصة قد نبهت من مغبة نشوة الشعور بالانتصار والوقوف على جسر لم تكتمل دعاماته بعد ، ويمكن بنصف مفخخة يصبح في خبر كان ، هذه التجاذبات الحاصلة بين اطراف الصراع السياسي اخذت شكلا خطيرا ، فمن ناحية يقوم الطرف المقرر بنسيان مسؤوليته في ضرورة ان يبادر ويصنع المحفزات المشجعة للطرف الاخر لكي ينظم الى عملية قلع جذور المحنة وانقاذ الشعب العراقي ، وذلك باجراءات عملية مقنعة بالتوافق وعلى مختلف المستويات ، واهمها المشاركة السياسية والامنية في اتخاذ القرار ، وتفعيل جهود المصالحة وتوسيع فسحة التسامح ، ومن ناحية ثانية يغمض الطرف الاخرعينيه عن زوال اصعب عقبة امام استتباب الامور و فشل المراهنة على الانتصار بقوة السلاح ، ولايرى فيها فرصة قد تفوته وربما يصبح معزولا في جزرة سياسية مهددة بالغرق ، عندما تزداد مناسيب مجرى العملية السياسة ، وكل ذلك يتم بعيدا عن مشاركة الجماهير صاحبة المصلحة الاساسية ، كما يلحظ غياب دور القوى الوطنية والديمقراطية ولم يشرك ، وكأن قضية تقرير مصير البلد هو حكر بين المتنازعين فحسب ، فمن هو مسؤول عن هذا التفرد بمصيرالبلاد والعباد ؟ ذلك ما يطرح اسئلة عديدة وملحة لكي تكشف الملفات امام المواطنين ، فهل هي القوى والاحزاب الوطنية التي لم تتحرك لفرض نفسها باعتبارها معنية بذلك ؟ ، ام ان قواعد الديمقراطية التي منحت حقوق التصرف لمن تميل له الكفة في مجلس النواب دون غيره ؟ ، ام اطراف الصراع الذين استمرؤوا الحالة لكونها تبقيهم في مواقع المستفيد الاكبر ؟ ، ام هنالك اجندات اجنبية تحاول جاهدة لابقاء الفوضى التي تعود عليها بامكانية التلاعب واستغلال الوضع في تصفية حساباتها مع الادارة الامريكية تحديدا على الاراضي العراقية ؟ .
نعود ونقول ان للمصالحة قواعد ينبغي ان لا تقييد بالاستثناءات ، والتي من شأنها ان تقلب المعادلة فيحل الاستثناء محل القانون ويصبح القانون استثناءا ، وهنا ستكون المسؤولية مضاعفة ولايعفى احد منها ، فالفشل في تحقيق المصالحة وما ينتج عن ذلك من تمادي في ضياع العراق وسط ذلك الصراع والفوضى يترتب عليه مسؤولية وطنية واخلاقية وتاريخية ، ان الوجود في موقع الحكم ليس ابديا ومن يكون فيه عليه ان يؤدي متطلباته ويلتزم بقوعد العمل فيه ، لانه اليوم هو حاكم ، وغدا مواطن مجرد من الحصانة والقانون فوق الجميع ، اما المتمرد على العملية السياسية فاذا ما كان اليوم فالتا من المحاسبة بسسبب الفوضى ، فغدا سيستتب الامن وتتم السيطرة على الامور ، والقانون فوق الجميع ايضا .