علي عرمش شوكت
الجمعة 2/10/ 2009
البرلمان العراقي .. نواب للشعب ام للقطاع الخاص ؟علي عرمش شوكت
قال احد البرلمانيين العراقيين ان ما تبقى من عمر البرلمان الحالي سوف يكرس لتقييم اداء الحكومة ، وكان الاولى بهذا البرلماني ان ينتبه جيداً بان سلطته التشريعية هي التي بحاجة ماسة وقبل غيرها الى التقويم والتقييم ، اذ انها هي التي تشرع والتشريع حاضنة التنفيذ كما يقال ، ولسنا هنا بصدد الدفاع عن الحكومة بقدر ما نريد القول ان الاسقاطات السياسية باتت فاقدة لصلاحيتها وعائمة بلا وزن في بحر الوضع السياسي العراقي المتلاطم ، ليس بامكاننا ان نعطي رقماً محدداً للقوانين التي انتهى مجلس الوزراء من اقرارها وارسلها الى البرلمان ، وكان مصيرها فوق الرفوف العالية ، صحيح ان رصيد الحكومة من الاخفاق في العديد من المجالات غير قليل ، الا ان ذلك لا يصل الى حالة تسويف القوانين التي تتم في اروقة مجلس النواب ، الامر الذي ينعكس مباشرة على اداء السلطة التنفيذية .
وعند الحديث عن السلطة التشريعية فمن الانصاف الاشارة الى قيامها باصدار العديد من القوانين ، ولكن يا ترى هل رجحت كفة القوانين التي لها اهمية اكبر من غيرها ؟ ، والاهمية تقاس هنا بمدى شمولية تلك القوانين ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر ، قد حظي اصدار قانون تقاعد النواب اعضاء البرلمان باولوية وعجالة فائقة ، وفي باكورة اعمال المجلس ، كما اتبع بامتيازات جمة قررها البرلمان ذاته ، تتعلق بالرواتب العالية وضمانات سكنية وامنية للنواب ، تضاهي امتيازات رئيس الدولة ، في حين جرت المماطلة والعرقلة في اصدار القوانين التقاعدية للفئات الاجتماعية الاخرى ، مما جعله مثيراً لتندر الناس وامتعاضهم ، وبالمقابل ما زالت قوانين عامة هامة متعثرة لحد يومنا هذا ، مما ترك اثره في رفع مستوى انكماش الناس عن دعم العملية السياسية ، وزعزعة الثقة لدى اوساط واسعة بالنواب وبنتائج الممارسة الديمقراطية ، وها نحن اليوم نرى البرلمان يتملص بشتى الذرائع عن اصدار قانون للانتخابات ، وقانون للاحزاب ، وقانون النفط والغاز ، و التعديلات الدستورية وغيرها رغم اهميتها البالغة بذرائع واهية ومفتعلة .
تحصل القناعة دون ادنى لبس لدى من يتابع احوال البرلمان العراقي لكونه يتميّز بصفة نادرة ، اذ يتحول اغلب نوابه الى مقاتلين اشداء عن مصالحهم الحزبية والفئوية الضيقة ، وعليه يمكن القول انهم يعلنون انفصالهم التام عن هموم ناخبيهم ، و عن واجبهم الوطني في اولوية معالجة جراح البلد النازفة ، وكانهم يشتغلون في قطاع خاص تحكمهم قوانين السوق ، وفي مقدمتها قانون المزاحمة ، ولكن بفارق نوعي حيث لا يتانفسون فيما يقدمونه من طروحاتهم السياسية الاكثر جودة ، انما حول الاستحواذ على اكبر قدر من النفوذ ومواقع القرار ، وكما يبدو ظلوا على سريرة الحكام السلف ، اذ يعتبرون القوانين عبارة عن ورق ومداد ، فمتى ما ارادوا كتابتها ومتى ما ارادوا محوها ، وعلى هذا المنهج راح مجلس النواب العراقي ينعى قانون الانتخابات الجديد الذي قدمته الحكومة ، متمسكاً بالقانون النافذ المثير للاعترض وللرفض من قبل العديد من الاحزاب الوطنية ، لكونه مليئ بالمواد المجحفة والمتعسفة بحق جمهرة واسعة من الفئات الاجتماعية وبخاصة الاقليات الوطنية المنتشرة في البلد .
كما غدت وسيلة الانسحاب والغياب عن جلسات البرلمان بغية التاثير على النصاب المطلوب بمثابة سلاح لا غنى عنه ، تمارسها الكتل الكبيرة لاجهاض اي قرار من شأنه المساس بمصالحها حتى وان كانت فيه حاجة وطنية مهمة ، ولم تلقى هذه الممارسة غير القانونية اي رادع يذكر ، ما عدا اعتراضات بعض القوى الديمقراطية ، والتي لايسمع صوتها وسط ارتفاع رواج المقايضات السياسية داخل قبة البرلمان ، اي ما يسمى بلهجة الشارع العراقي (شيلني واشيلك) ، ما تقدم هو عبارة عن صورة موجزة عن خطايا مجلس النواب المنتهية دورته في نهاية العام الحالي ، تاركين للبرلمان الجديد العناية بما خلفه اول برلمان عراقي من ثغرات خطيرة في حياة البلد ، ابتداءً بالعلل الدستورية وانتهاءً بمزاجية اصدار القوانين مروراً بانفصال نواب عن هموم ناخبيهم .