علي عرمش شوكت
تساقطت هياكل الارقام وسوف تتساقطعلي عرمش شوكت
يمكن ان تكون الارقام معبرة عن ثمن لحاجة معينة، ويمكن ان تكون ايضاً هي ذاتها حاجة لها ثمن، ويمكن لا هذا ولا ذاك وتكون مجردة ليس لها اصل ولا جذر. وبخاصة عندما توضع كعنوان تخفى خلفه الحقائق وتالياً تتحول الى اسلحة لادامة الظلم والاستبداد، وتصنع منها غمامة للتضليل. كان بالامس غير البعيد قد اعلن عن فوز صدام حسين في انتخابات رئاسية بنسبة مائة بالمائة، كانت ارقاماً وحشية المعنى، وسادية التكرار. ولم تمضي سوى ايام معدودات حتى سقط المنتخب بمطلق الاصوات، ولم يدافع عنه من تلك الاعداد حتى اقرب افراد حاشيته ذاتها، بل هم من سلموه لقوات الاحتلال، فاي سقوط لارقامه المائة بالمائة التى انتخبته ؟ .
ويتكرر المشهد الدراماتيكي في تونس هذه المرة، فتسقط الارقام عندما تنكشف الاوهام، بل بالاحرى تنقلب الارقام من كونها رافعة للصنم المنتخب الى ساحقة ماحقة له وحتى الى ظله وحاشيته. فهذا " ابن علي " في تونس المنتخب بنسب مأوية عالية قبل وقت قصير، غدا منبوذاً من قبل ذات الجماهير الغفيرة التي اعلن بانها انتخبته ، لكونه اغفل بل استهتر واجحف بحقوقها التي تمثلت بشيء من العدالة لاغيرها، فحولته هو الى مطلوب للعدالة. ان السر يكمن في قصر البصيرة في فهم حاجة الاعداد الغفيرة من الناس الناخبين، فهم لا يمنحون اصواتهم كـ " نذر " عليهم يفون به من اجل الشفاعة في الاخرة، كما يفهمها البعض الذين يحسبون انفسهم اولياء الله على الارض طالما هم في قمة السلطة. فيتركون ( اجر ) هذه الجموع يتلقونه عندما يهلكهم الفقر ومنتوجه المرض ويذهبون مبكرين الى القبور.
ان الشجون في هذا الامر لا تحصى ولكن اصحاب الحقوق المحرومين فيهم طبع مؤصل، فهم يمهلون ولا يهملون، وعليه لم تمض سوى اسابيع قليلة على انتخاب حزب مبارك في مصر الذي ما فتئ يتلقى التبريكات حول " فوزه المؤزر " الكاسح بالحصول على ما قُدر بـ 80% من اصوات الناخبين او اكثر. الا وتحرك الضمير الجمعي ومن لب الجماهير المصرية " الشباب " الذي تنادى ليلغي حالة الترقب السلبي لنيل الحقوق، في زمن ليس فيه شيء مستور او مقطوع الصلة بالاخر حتى وان كان عبر البحار البعيدة، كما لم يمض سوى احد عشر يوماً على ثورة الشباب في تونس والتي اندفعت بذات العوامل المحركة، وبذات القوى القائدة، المتمثلة بشباب العلم والعلمانية المدنية وبذات اهداف الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، اذن امست الرسالة واضحة ومفهومة، لعل هذا الفهم يعم ويصل الى من يتسلط ويتجبر ويتعسف بعد ان رفعته الجماهير الى اعالي مواقع القرار دون ان يلتفت الى الذين من اتوا به الى هذه المواقع.
تحدثنا عن وصول هؤلاء الحكام المستبدين الى قمة السلطة ونحن نفترض افتراضاً بانهم قد حصلوا على اغلب اصوات الناخبين، مع انه لم ولن يبق احد لا يعرف او لا يسمع او لم يشاهد حقيقة واساليب التزوير العلني وما خفي كان اعظم، فليس من المعقول لجماهير مليونية الارقام تخرج رافضة لهذه الانظمة وهي قبل ايام قلائل قد اعطت اصواتها الى ممثلي ذات الانظمة التي تطالب اليوم بل وترمي بانفسها على النار في سبيل اسقاطها. ان هذه الثورات الحضارية الشبابية على الاغلب قد كشفت زيف الارقام التي تعلن عن فوز اللصوص والفاشلين وفارغين من العلم والمعرفة والمرتبطين باجندات اجنبية وجعلتهم تحت رحمة عدالة شعوبهم سواء كانوا ما زالوا في سدة السلطة ام اسقطتهم هذه الثورات، ونزعت عنهم البراقع البراقة بالوطنية والدين وغير ذلك من الادعاءات التي اثبتت كونها قشور يابسة تتبعثر في اول هبة ريح ثورية تنبعث من انفجار الغضب المتراكم.