علي عرمش شوكت
الثلاثاء 30/12/ 2008
المحكمة الجنائية العراقية .. اولوية ملفات ام محاصصات ؟!!علي عرمش شوكت
كانت ومازالت المحكمة الجنائية العراقية تحتل الواجهة المتقدمة من سياقات القضاء العراقي ، وشهدنا منذ سقوط النظام المباد ولحد هذه الايام العديد من وقائع المحاكمات التي اجرتها هذه المحكمة ، وقد جسد سيرها تطبيقاً للاجراءات القانونية اللازمة في التعامل مع ملفات القضايا المطروحة ، غير ان قاسماً مشتركاً كان يغلب على تلك الملفات التي اخذت الاولوية قبل غيرها مع اختلاف حيثياتها ، مما بصمها بطابع فئوي وتجلى ذلك من خلال نفس الايحاء به الطاغي ببعض المطالعات وبعض وسائل الاعلام وكذلك بتبرز بعض افادات الشهود ايضاً ، هذا وناهيك عن آلية تناول الملفات من قبل المحكمة والتي تصب في ذات الاتجاه الفئوي بالرغم من ان تلك القضايا هي قضايا عامة تخص كافة التيارات السياسية المناضلة .
فقد تناولت المحكمة في البداية ملف قضية احداث الدجيل التي دارت حول محاولة اغتيال الطاغية صدام حسين والتي اعدم على اثرها 148 مواطن من ابناء المنطقة ، وقد جيرت هذه القضية لفئة سياسية متنفذة معينة من احزاب الاسلام السياسي دون غيرها ، في حين كان الذين استشهدوا شنقاً وتعذيباً هم ليسوا من قوى الاسلام السياسية فحسب ، وجاءت بعدها قضية جريمة الانفال الشهيرة التي راح ضحيتها 182 الف مواطن عراقي كردي ، وحسبت هي الاخرى لفئة سياسية متنفذة كردية ، علماً ان ضحاياها كانوا ينتمون الى مختلف القوى السياسية في كردستان ، و تناولت بعدها قضية انتفاضة اذار عام 1991 التي سميت بالشعبانية ، وجيرت حصراً لجهة متنفذة من قوى الاسلام السياسي ايضاً ، علماً ان انتماءات الضحاياها كانت مختلفة ، لأن الانتفاضة كانت اصلاً من ابناء الجنوب العراقي عامة .
واستمرت المحكمة الجنائية بتداول ملفات قضايا من هذا القبيل ، فكان التناول مرة ملف لقضية مجيرة لحساب هذه الكتلة المتنفذة ومرة لتلك الكتلة التي بيدها السلطة ، فمثلا قضية جريمة { صلاة الجمعة } التي حسبت لصالح احزاب الاسلام السياسي ايضاً ، ثم عادت المحكمة لتتناول جريمة قصف حلبجة بالاسلحة الكيمياوية من قبل النظام الصدامي ، التي هي الاخرى صور ضحاياها وهم اكثر من خمسة الاف مواطن كردي وكأنهم من اعضاء الاحزاب الكردية المتنفذة فحسب ، وربما كان استثناءاً تناول قضية اعدام اربعين تاجراً ، واخيراً وليس اخراً تطلع علينا المحكمة الجنائية بتناول قضية سمتها بـ { أبادة الاحزاب الدينية } ، وهنا ينبغي التوقف وتلمس عدالة القضاء العراقي العريق حول اولوية تناوله للقضايا والملفات وكيف يتم ذلك .
ولا نريد بهذا الموضوع ان نعترض على القضاء وقراراته كونه قضاءاً مستقلاً ولكن لايمنع من ان نشير الى ما يبدو تعاملاً غير عادل مع الملفات المطروحة امام القضاء العراقي ، ولهذا لابد من توضيح بعض الحقائق ، اولا تجاهلت المحكمة لحد الان ملف تصفية القوى الديمقراطية والتي سماها النظام بـ { حملة تنظيف السجون } وما قبلها وما بعدها ، حيث راح ضحيتها الشيوعيون والديمقراطيون وغيرهم مئات من اذا لم نقل الاف من الشهداء ، وهذا التجاهل قصد القائمون على المحكمة ام لم يقصدوا ، فهو يعكس صورة من صور المحاصصة في تناول الملفات بالنسبة للمحكمة ، ثانياً اطلقت المحكمة اسماً على الملف الجديد الذي ستتناوله بـ { تصفية الاحزاب الدينية } وهذه التسمية غير دقيقة لانه لم تكن في حينها احزاباً دينية متعددة قد تمت تصفيتها ، انما كان حزباً واحداً قد جرى اضطهاده وقمعه هو حزب الدعوة الاسلامية ، ولكن كانت هنالك قوى دينية ، جرت ملاحقتها من قبل اجهزة النظام المباد ، والملاحظ هنا ان عنوان الملف قد صيغ بهذا الشكل ليحسب كرصيد نضالي كما يبدو لصالح بعض احزاب الاسلام السياسي ، التي لم تتكون كأحزاب الا بعد عملية التغيير ، اما طرحه في هذه الفترة يأتي ليصب في دعم الاحزاب الدينية والدعاية لها في العملية الانتخابية لمجالس المحفظات ، لاسيما وان الاعلان عن هذا الملف قد جاء في سخونة فترة الدعاية الانتخابية الجارية الآن .
ان كل ما تقدم لايحسب على الاحزاب المشار اليها ، ولكن ما يواخذ عليه هو دور القضاء العراقي الذي يفترض ان يكون على مسافة متساوية عن كافة مكونات الشعب العراقي ، ان تساؤلاً ملحاً ومشروعاً يشق العنان ويبحث عن مصير ملف { ابادة القوى الديمقراطية والقومية التقدمية } التي غالباً ماظلت وحيدة في ميدان الصراع ضد القوى الفاشية الدكتاتورية ، وقدمت قوافل من الشهداء ، مما سجل لها تاريخ الحركة الوطنية العراقي الاسبقية في ان تنصب لاعضائها المشانق وتقام لهم المقابر الجماعية ، ففي الاربعينيات اعدمت قيادات الحزب الشيوعي العراقي وقيادات قومية ، وتكررت بصورة اكثر دموية وفاشية على اثر انقلاب شباط الاسود عام 1963 حيث ابيد الالاف من اعضاء وكوادر وقيادة الحزب الشيوعي العراقي تحت التعذيب ودفناً وهم احياء ونهشاً بواسطة الكلاب الجائعة ، حيث بقى هذا الحزب وحيداً يقاوم الانقلابيين العفالقة ، فاين المحكمة الجنائية من تلك المجازر ؟ .