| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الجمعة 31 / 7 / 2015 علي عرمش شوكت كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
خطى العبادي.. وايقاع الشارع العراقي
علي عرمش شوكت
قرارات الحكومة العراقية تعكس حالة من الوهن السياسي بل تفتقد للقدرة على تلمس طريق الخلاص من دوامة المحنة. هذه التجليات الصارخة لا تعدو عن كونها افلاس بلا حدود وفشل مطلق في ادارة الدولة، اذاً هل للشعب العراقي رأي في ما يجري..؟، نعم سمعنا ايقاع الشارع العراقي بصوت واضح في مظاهرات واضرابات مختلفة وحقيقتها ليست حول فقدان الكهرباء او عدم صرف الرواتب فحسب، انما صرخة بوجه الحكام تدعوهم للرحيل عن مناصبهم لانهم اساؤوا استخدام السلطة، نتيجة جهل عادم للكفاءة المتناسبة مع التكليف الحكومي، وانعدام نزاهة ضارب اطنابه حتى نخاع كيانات الكتل السياسية الطائفية الحاكمة. تجربة مريرة مضى عليها اثنا عشر سنة وما زالت مستمرة وفي انحطاط متواصل.
ان منطلق الاحتجاجات الجماهيرية اساسه تردي الاوضاع حيث تجلت بتظاهرات في مختلف المحافظات، وان كانت لا زالت محدودة. الا انها ومن نظرة متمعنة لهذه الارهاصات الثورية، تكشف بانها تعبر عن خميرة نضالية لانتفاضات قادمة اكثر وقعاً وتأثيراً، طالما استمرت مسبباتها، اي فقدان اهم حاجات الناس كالامن والعدالة الاجتماعية. مع ان هنالك مازال امراً مأمولاً في خطى السيد حيدر العبادي، وان كانت محاطة بالدسائس من اقرب الناس اليه. سمعت احد المتظاهرين من عمال السكك قبل يومين على شاشات التلفزة يقول: ان المظاهرات قد اسقطت حكومات في العهد الملكي، وانها اليوم ستسقط الحاكمين. نعم هذا استدعاء لتاريخ الحركة الوطنية العراقية، غير ان هذه التظاهرات تختلف عن تظاهرات الاربعينيات الخمسينات من القرن الماضي في العهد الملكي، حيث كانت تبدأ بشعارات مطلبية وتكمل باهدافها السياسية الاستراتيجية، ولها قياداتها العمالية الثورية من القوى اليسارية والديمقراطية المناضلة، التي قدمت تضحيات جسام وصلت الى حد اعدام قادة احزاب المعارضة "قيادة الحزب الشيوعي العراقي" . على سبيل الذكر.
ان التظاهرات السلمية المطلبية هي وسائل نضالية مقرورة لانتزاع الحقوق المغتصبة، وقد كفلها الدستورالعراقي. ولكي تحقق اهدافها المشروعة ينبغي ان تتوفر لها مستلزماتها، اي القيادة الجديرة التي لا تخضع للضغوط، ولا تنكسر او تميل الى الانجرار خارج دائرة حقوق الجماهير ومصالح الوطن، ومن الاهمية بمكان ان تنطلق وفقاً للظرف المناسب، وهنا تاخذنا الضرورة الى الاشارة الى ظروف الحرب الحالية في البلد، وافلاس خزائن الدولة بفضل فساد حكومة المالكي، هذه التداعيات الخطيرة، تغدو فيها الساحة التي في ظهر الجبهة القتالية الساخنة، هي الخطوط الخلفية التي ينبغي ان لا تبدو متفككة ومضطربة، مما يتيح الفرص المساعدة على عدوان داعش واتساع شرورها. وهنا لسنا بصدد لوم انطلاق التظاهرات انما نتساءل عن ابعاد هذه التظاهرات من حيث صلابة قواها القائدة والمحركة، كذلك اهدافها القريبة والبعيدة، وهل ستقف بحدود انجاز المطاليب المعلنة ؟، اي توفير الكهرباء وبعض الخدمات وتسديد الرواتب، التي لا افق ملموس للاستجابة لها، وحتى لو استجيب لهذه المطاليب، فلا ضمان بعدم تكرارالمشكلة، نظراً لافلاس الحكومة العراقية مالياً وعدم امتلاكها للكفاءة ادارية . وعليه هل للتظاهرات ابعاد تتصل بضرورة تغيير مسار العملية السياسية الذي اطاحت به سياسة المحاصصة الطائفية المقيتة ووضعتها في متاهة لا بوصلة لها ؟.
والمعروف ان ابرز ثمار المحاصصة هو الخراب الامني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي متوجاً بالفساد المطلق العنان، ومن اللافت ان اقل من هذا بكثير قد اطاح بحكومات داخلية وخارجية، ليس بالسلاح التقليدي، وانما بسلاح الغضب الجماهيري. المفارقة التي لا يتجاوزها مراقب سياسي هي، كلما تصاعدت اصوات الاحتجاج لدى العراقيين، اوغل الحكام الفاسدون في خطاياهم وتعسفهم بحقوق المواطنين، والتجاوز على حرياتهم الخاصة والعامة من قبل مليشيات الاحزاب الحاكمة. وكأنهم يقولون للجماهير:- نسمعكم ولا نبالي فهذا قدركم -. فأي عوامل محركة ستشعل نار غضب الناس اكثر من هذا يا ترى !؟. بيد ان اختمار الوضع الثوري عندما يصل الى حد النقطة الحرجة سيؤدي الى الانفجار لا محالة، ومن ابرز سماته لا يرهن ذلك بوقت محدد. ففي طبعه يفاجئ المراقبين السياسيين على قاعدة لا يوجد مستحيل في السياسة وامام ارادة الجماهير المأزومة باوضاعها الحياتية ومصير بلدها.