علي عرمش شوكت
رفاق شهداء عايشتهم
(3) الرفيق الشهيد جواد عطيةعلي عرمش شوكت
تعرفت على هذا الرفيق الباسل اثناء وجودي معتقلاً في دائرة الامن العام في بغداد عام 1965، عندما اتوا به جلادوه من اقبية التعذيب، ورموه في الزنزانة التي كنت فيها، كان يبتسم ويهزأ بالجلادين، فهو لم يكن يعرفنا مسبقاً الا انه قدم نفسه ورغم جراحه واثار التعذيب البشع الذي تعرض له، على انه مثلنا مناضل من اجل الفقراء. ولم يبين كونه شيوعي للوهلة الاولى ، لعل مثل هذا ، وكما كان يظن، سيخل بافادته في التحقيق التي افاد بها، كونه لا ينتمي لاي حزب، وفي ذات الوقت كان رافضاً تقديم البراءة من الحزب الشيوعي العراقي، وعندما تعرف علينا افصح عن كونه شيوعي ، كان هناك في غرفة اخرى يعتقل والده الرجل الذي تعدى عمره الستين عاماً آنذاك، وكذلك اخاه "عبد الله" الذي لا يتجاوز عمره الثالثة عشر في ذلك الوقت.
الشهيد جواد عطية وعلى يمينه علي عرمش شوكت في سجن نقرة السلمان عام 1967
وكان الشهيد "ابو حازم" عندما نحاول ترتيب مكان له بيننا كان لا يرضى ان يتم ذلك على حساب الاخرين من المعتقلين، و يرفض ان نراعيه نظراً لعمق جراحه ، ويقول هذه اوسمة احملها.. دعوها تطبع اثرها في جسدي لكي تذكرني دائماً بانني احمل اوسمة شرف نلتها في صراعنا مع اعداء شعبنا. ويسخر من الجلادين بقوله : هؤلاء اغبياء فلا يفهمون بان اثار تعذيبهم تقوي عزائم المناضلين، وان اثارها عبارة عن وشم يرسم صورة تحد اساليبهم البررية.
تنقلنا الى اكثر من معتقل وتقربنا انا واياه لكوننا من عمر جيل شباب واحد، وتقارب الهوايات في القراءة لكتب التاريخ والادب والفكر. الا انه كان يفوقني بالكثير في هذا المضمار، وتحديداً في الكتابة، حيث مرة ونحن قد استقر بنا المطاف في سجن نقرة السلمان، وكانت هنالك جريدة حائطية يعدها السجناء، وجدت فيها قصة قصيرة تحكي عن قرية في الفرات الاوسط تدور فيها قصة حب، وكانت القصة عالية التقنية القصصية وسليمة اللغة فضلاً عن رومانسية الخيال، ولكن من كتبها رمز لاسمه بحرفين. فكانت موضع اعجاب لدى الجميع، مما دفعني الى ان ادعوه لقراءتها ، وسألته عن من كتبها، فما كان منه الا ان اخبرني بانه هو الذي كتبها. واخذنا نتحدث عن الادب العالمي، مثل روايات تشيخوف، ومكسيم غوركي، وتولستوي، وارسكين كولدواي، وغوغول، كازانتزاكي، ارنست همنكواي، وغيرهم، وكتابة القصص القصيرة والروايات لكتاب عرب وعراقيين، ومن خلال حديثه ومعرفته بهذه الامور زرع فيّ الرغبة بالكتابة، ومن اقواله التي اتذكرها (لو قرأنا اطناناً من الكتب ولم نكتب لا فائدة منها لان القراءة تعني التعلم .. والتعلم ينبغي ان يُعلم) ويردد المثل القائل "زرعوا فأكلنا ونزرع ليأكلون" . وفضلاً عن ذلك فهو يحمل سجية مسامحة للغاية، كان يبغض التحامل والاحقاد وغالباً ما يقول "انا لا احقد حتى على الذي اعترف عليّ واتى بي الى السجن، لانني لا اريد ان اشتت غضبي الثوري ضد اعدائنا الطبقيين المستغلين لغيرهم من بني الانسان" وزد على ذلك فهو عاشق رومانسي جميل الطباع والمحيا.
جمعتنا ذات مرة جلسة مع احد قادة حزبنا الذي اعتقل حديثاً في ذلك الوقت، فتمحورنا حوله وكان يوصينا اذا ما خرجنا من السجن، ان لا نعطي للعدو فرصة الايقاع بنا مرة اخرى لان الحزب بحاجة ماسة لكم . فتناوب الحاضرون على الحديث وكيف سيتصرف كل واحد منا مرة اخرى اذا ما جرت محاولة لاعتقاله ، فقال الشهيد هاشم شمسي الالوسي، سوف اظل اشتم الجلاد الى ان يعجز او استشهد، ومن شهود في قصر النهاية كان الشهيد يشتم جلاديه الى اخر نفس به، وقال الشهيد رافع الكبيسي بانه سوف يقاتل ويقتل قبل ان يتم النيل منه، وقد استشهد في الاهوار وهو يقاتل، ولكن الشهيد جواد العطية قد قال: انه سوف يضحك على الجلاد حتى يجعله ينهار ويكف عن تعذيبه او يستشهد.. ومن شهود من محافظة الكوت التي اعتقل هناك في منطقة مفرق العمارة كوت ، يقولون ان الشهيد جواد عطية قد جنن جلاديه حينما حققوا معه، وكان تحديه لهم وهو يسخر منهم بقدر قسوة التعذيب البربري البعثي الفاشي الذي تعرض له. مما ادى بهم الى نقله سريعاً الى قصر النهاية سيء الصيت في بغداد.
زارني يوماً الرفيق ابو حازم بصورة مفاجئة في بيتي في منطقة " كمب سارة" في بغداد، وقال لي عندما رحبت به : - ستسألني كيف عرفت مكان سكنك، واوضح لي بانه يتردد على بيت بالقرب من بيتنا وعرف انني اسكن في ذلك الدار، فاراد ان يثبت لدي بأنه اذا ما زارني يوماً بصورة مباشرة، او في وقت متأخر من الليل. فلا استغرب، حيث يعني انه مضطر على ذلك، وفي حالة خطر شديد، فاكدت له ان بيتي هو بيته، وفي اي وقت يشاء.
كان عمر الشهيد بنفس عمري ولكنني تعلمت منه الكثير من الصفات الجميلة، وفي المقدمة منها الكتابة المرافقة للقراءة، والارشفة لاي معلومات حديثة بالسياسة والفكر والتاريخ والادب وغيرها. كان حلمه الكبير ان تستلم الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي العراقي السلطة، وتطبق العدالة الاجتماعية، والاشتراكية.
المجد والف مجد لك ايها الرفيق الباسل ابو حازم .
ومجداً لحزبك الذي انجبك وامثالك من اشجع الرجال.