علي عرمش شوكت
الخميس 3/7/ 2008
ثورة 14 تموز ... غرة في جبين التاريخ العراق السياسيعلي عرمش شوكت
شكراً لدعوة موقع الناس للمشاركة في ملف ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ، ولكنني تاخرت قليلا لانشغالي بامور خاصة ، اقدم اسفي على ذلك ، وبسبب هذا لم اجد لنفسي سياقاً من سياقات الذكرى لم يتم تناوله لادلو بدلوي من خلاله وذلك لكثرت من كتبوا في هذه المناسبة المهمة وقد احسنوا بتغطية كافة جوانبها .
اذاً كيف نقييم ثورة 14 تموز 1958 وقد وإدت وهي مازالت تحبو ؟، كيف ننتقد الاخطاء في سياسية زعيمها الشهيد عبد الكريم قاسم وهو رجل عسكري لم يتعلم بعد فن السياسة وادارة الدولة ؟ ، وكيف تعسف زعيمها بحق القوى الوطنية العراقية التي ساندت الثورة الى اخر نفس فيها ؟ ، من يتحمل مسؤولية فشلها ؟ .
جاءت حركة الضباط الاحرار بقيادة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم لتحقق ارادة الشعب العراقي بالتحرر والاستقلال الناجز كضرورة تاريخية وسياسية ،على خلفية مقدمات وتضحيات جسام من عطاء الحركة الوطنية العراقي ، ولهذا وفي ساعاتها الأٌول حصل بمثابة استفتاء حولها ، تجلى بنزول جموع الجماهير لتشارك في انجاحها وتحويلها الى ثورة ، ولكن ومع الاسف الشديد وبفعل تداعيات سريعة لم يدم ذلك الدعم طويلاً ، اذ سارع بعض من القوى السياسية محاولاً وضع لجام في رأس الثورة ليسحبها مرغمة الى اسطبل الترويض بغية التماهي مع انظمة عربية كانت تحولت كابوساً على شعوبها ، بدعوى الوحدة العربية الفورية ، التي لم تتوفر لها في حينها ابسط مقوماتها سوى العواطف قصيرة النظر ، والذي زاد الامر مرارة هو ما اصيب به العقل السياسي العراقي من جدب حيث لم يثمر عن مقتربات ومشتركات تحافظ على تماسك الاطراف الوطنية الفاعلة بحيث تبقيها بمنأى عن التكالب الذي استهدف الثورة من كل حدب وصوب ، و تبعاً له حصل الاسوء منه وهو الشرخ القاتل بين الضباط الاحرار بصورة عامة ، وكان من البديهي ان يلجأ كل طرف من قيادة الثورة الى انصاره ، وقد تخندق عبد السلام عارف على رصيف القوى القومية ، كانت اعطت تلك الثغرة للقوى الرجعية الفرصة الذهبية للعمل على استدراج كل من يختلف مع الثورة الى خانة العداء والعمل للاطاحة بها .
* - مفارقات لم يسمع صداها :
المفارقة الاولى :
ان الزعيم عبد الكريم قاسم لم يستند على انصاره من الاحزاب والقوى الديمقراطية المدافعة عن ثورة الرابع عشر من تموز ، بل كان العكس من ذلك فقد مُلئت السجون بنشطائها ، لا بل وحكم على بعضهم بالاعدام على خلفية الدفاع عن الثورة تحديداً ، كما جرى لابناء الموصل ، في حين كان اصدر الزعيم عفواً عن محكومين بالاعدام مشاركين بمحاولة اغتياله شخصياً في منطقة رأس القرية في شارع الرشيد عام 1959 ، وقد وصل الامر بالزعيم ان احاط نفسه بالعديد من الضباط القوميين ضناً منه ان ذلك سيخلق توازناً سياسياً وعسكرياً في دائرته الضيقة ، لكن ذلك كان احد الاسباب التي سهلت وعجلت بالاطاحة به وعلى سبيل المثال ، المقدم جاسم العزاوي سكرتيره الخاص قد ساهم بالانقلاب الذي ذبح فيه عبد الكريم قاسم ورفاقه ، كما كسر ظهر الشعب العراقي وابقاه معوقاً اربعة عقود عجاف من حكم القوى القومية .
ظلت الثورة تراوح في مكانها مجردة من الحراس المخلصين ولم تتقدم باي انجاز فيما يتعلق بالديمقراطية وتشكيل المؤسسات الدستورية ليأخذ الشعب حرياته السياسية ويمارسها بصورة كاملة ، فحينما اصدر الزعيم عبد الكريم قاسم قانوناً للاحزاب حرم العمل على اعرق حزب في العراق ذات التاريخ المجيد والاكثر دفاعاً عن الثورة وهو الحزب الشيوعي العراقي ، ولم يكتف بذلك انما راح يشكل بديلاً له وذلك باعطاء اجازة الحزب الى داود الصائغ - شيوعي متقاعد لارصيد جماهيري له - ، وفي مجال المنظمات المهنية كانت اجهزة امن الحكومة تمارس القمع الشديد ضد انصار الثورة مقابل فسح المجال لاعدائها ولخصوم الزعيم بغية السيطرة على تلك المنظمات ! ، فكان يُفصل الشيوعيين والديمقراطيين من وظائفهم لا لشيئ سوى لكونهم مدافعين عن النظام الجمهوري ، وفي نهاية المطاف وكانت هي نهاية الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم حيث صنعها بارادته ، وعلى حد تعبير الشهيد جلال الاوقاتي ( ان هذا الرجل يريد الانتحار وسيقتلنا معه ) ويقصد بذلك الزعيم ، فحينما تدفقت الجماهير الى مقره في وزارة الدفاع مطالبة بالسلاح لمواجهة الانقلابيين في الثامن من شباط 1963 ، لم يستجب انما اصر على الرفض المطلق لاعطاء السلاح الى الجماهير ! .
المفارقة الثانية :
فقد تجلت في مواقف بعض القوى الوطنية التي كان لها خلافات مع عبد الكريم قاسم ، حيث سارعت لمباركة الانقلاب وهي تعلم تماماً بان الانقلابيين هم وليس غيرهم من دفعوا الزعيم وبحقد شوفيني بل وقادوا الحملة العسكرية ضدهم ، ولم تفعل تلك المباركة شيئاً سوى توقف الحملة المضادة لشهرين فقط كان خلالهما يتم الاستعداد لحملة اكثر ضراوة سميت في حينها ( بحملة الربيع ) في نيسان 1963 ، ولكن بعد حين تم تخطئة تلك المباركة من قبل ذات القوى الوطنية .
المفارقة الثالثة :
هي جديرة بالذكر لكونها تعكس قمة التضحية والوطنية والاخلاص للشعب العراقي ولثورة 14 تموز وانجازاتها ، من قبل الحزب الشيوعي العراقي ، ان ما جرى له من حملة اضطهاد وتعسف بحق رفاقه وانصاره كان جديراً بان يجعله يقف متفرجاً في اقل تقدير ، غير ان الحزب وانطلاقاً من مبادئه وحرصه على الثورة قد اعتبر مهمة الحفاظ على الثورة ومنجزاتها الاقتصادية والاجتماعية التي كان ابرز مفرداتها ، قانون رقم ثمانين الذي ازاح هيمنة الشركات الغربية على الثروة النفطية ، وقانون الاصلاح الزراعي الذي حرر الفلاحين من ربقة النظام الاقطاعي ، وكذلك اصدار قانون الاحوال المدنية الذي حرر المرأة العراقية من قيود التخلف الاجتماعي ، والعديد غيرها لا مجال لذكرها ، لذلك تخطى حزب الطبقة العاملة ، كافة تلك التجاوزات والتعسف من قبل السلطات الحكومية المتخمة بالقوى الرجعية ، ودعا في بيانه على اثر انقلاب شباط الاسود الى المقاومة والحفاظ على ثورة تموز وانجازاتها ، بذلك كان الوحيد من القوى الوطنية العراقية الذي تصدى لانقلاب شباط الاسود عام 1963 .
المفارقة الرابعة :
عندما نجح الانقلابيون القوميون ( العقائديون ) شنوا حملة ابادة فاشية شرسة راح ضحيتها الالاف من اعضاء وانصار الحزب الشيوعي ، غير ان تلك الحملة لم تهز ضمير اياً من احزاب القوى الوطنية واحزاب الاسلام السياسي الاخرى ، في حين كانت الحملة قد تجاوزت اطار اعضاء الحزب الشيوعي وانما تعدت ذلك الى الاعتداء على شرف العوائل واغتصاب النساء ، ولم يشر لها احد الا بعد ان سقط حكم البعث في 18 تشرين 1963 وانفرد القوميون بالسلطة ، وقاموا بفضح تلك الاعمال اللااخلاقية ليس بهدف الاستنكار ومحاسبة من قام بتلك الجرائم ، انما لاضعاف وعزل البعثيين ليس الا ، وبقي المجرمون طلقاء ودون اي عقاب قانوني ، بل والبعضهم منهم غير جلده البعثي قليلاً واصبح قومياً خالصاً وشارك بالسلطة الجديدة .
هذه تداعيات اسقاط ثورة 14 من تموز المجيدة ، ومع كل ما حصل الا ان الثورة وامجادها وانجازاتها وفي المقدمة منها اقامة الجمهورية العراقية ، وتفكيك حلف بغداد الاستعماري ، وطمر بؤرة خطيرة معادية لحركة التحرر العربية والعالمية ، رسمت الغرة الناصعة في جبين التاريخ السياسي العراقي ، ولم يضاهيها اي انجاز سياسي اخر ، وعليه ينبغي ان يبقى يوم الرابع عشر من تموز 1958 بقيادة الشهيد الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم العيد الوطني لجمهورية العراق ، وهذا ما يدعو الى تخليد الزعيم بتمثال ينصب له في ساحة التحرير وسط بغداد ، كما لا يغفل حق كل من شارك واستشهد دفاعاً عن الثورة ، عسكرياً كان ام مدنياً ، وهنا تجدر الاشارة الى ذلك الشهيد الباسل (سلام عادل) سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الذي اصدر البيان الشهير بالدفاع عن الثورة ومقاومة الانقلابيين الفاشست ، فله كل الخلود والتخليد بتنصيب تمثال له في ساحة سقوط الصنم ( ساحة الفردوس ) ان هذا اقل ما يكرم به الشهداء البواسل .