علي عرمش شوكت
الخميس 3/4/ 2008
الراصدالتمرد المسلح ... قاعدة ام استثناء ؟
علي عرمش شوكت
التمرد يحصل في كل حين وزمان ، ولكنه يتم كقاعدة احيانا وفي حالات اخرى يكون استثناءا ، وما نقصده هنا بالتمرد هو التجاوز على الشرعية الحقيقية للسلطة ، ويحصل كقاعدة عادة عندما تضعف الدولة ، وقد جاء التمرد الاخير في البصرة ليس استثناءا عن ما سبقه في ( منطقة الزركة ) وكذلك ما اطلق عليه بحركة ( احمد اليماني ) ، وحتى نشوء اعمال الارهابيين التكفيريين الذين غزوا البلاد عندما انهارت كافة المؤسسات الحكومية ، مما اكد على ان مثل هذه الاعمال تأتي كنتيجة موضوعية لضعف الدولة ، وكان ذلك يحصل على مر الزمن ، حيث حصلت مثل هذه التمردات اينما ضعفت سلطة الملوك او سلطة الخلفاء والحكام في اية مرحلة من مراحل التاريخ ، ولهذا لم ولن يكن هذا الخروج عن القانون في البصرة امرا غير متوقع ، وذلك بسبب ضعف الاجراءات الامنية اللازمة تجاه التجاوزات التي كانت تحصل في كل يوم على حرية المواطنين وعلى المال العام وعلى سلطة القضاء ، فهي كانت اعمال تسخين على تجاوز نوعي اخطر دون ان تدرك تلك الخطورة ، الامر الذي جسد عجز الحكومة في تطبيق القانون بحزم تجاه الفاعلين ، مما شجع الخارجين على القانون في التمادي للحد الذي جعلهم ينصبون انفسهم بديلا عن الدولة ، وكانت تلك القطرة التي فاض بها الاناء ،
وبكلمة جلية نقولها ان كل ما كان يرتكب من تجاوزات وجرائم بحق المواطنين في البصرة وفي غيرها لم يحرك الاجهزة الامنية بالشكل المناسب ، ولكن عندما تطاول المتمردون على سلطة الحكومة حصل الرد بالقوة ، ولكنه جاء وقد فات اوانه للاسف الشديد ، وهذا ما كان ملموسا ايضا في التعامل مع الاعمال التخريبية والاجرامية التي سبق وان اهملت ولم يعالج امرها الا حينما استفحلت وتجاوزت على سلطة الحكومة ، بعد ذلك تمت معالجتها ولكن بصورة يكتنفها الغموض ، لان كشف تفاصيلها سيطرح تساؤلات لابد انها محرجة للسلطات الحكومية حول سبب اهمال مخاطرها وعدم معالجتها سياسيا في وقت مبكر قبل ان ان تستفحل وتصل الى مستوى التمرد المسلح ، لاسيما وان المشاركين فيها هم جموع واسعة واغلبهم من الفقراء والبسطاء الذين لايتوقع احد بان مطاليبهم تتجاوز حقوقا اقتصادية مشروعة وضمن اطار قدرة الحكومة على تحقيقها ، ان ذلك الاهمال قد ادى بهؤلاء الملتحقين بالتمرد الى اتباع من يحقق لهم اي مطمح من مطامحهم حتى وان كان مقابل عمل مسلح وخارج على القانون .
ان ما حصل في محافظة البصرة مؤخرا لم تحدد ملامح نهايته ، فهل تراجع المسلحون خاضعين لما يفرضه القانون ؟ ، ام ان الحكومة استجابت الى مطاليبهم ؟ ، واذا كان لا هذا ولا ذاك ، اذن ما هو الحال الذي آلت اليه الاحداث ؟ ، وهل ضمنت الحكومة عدم تكرار ذلك وهو الامر المرتجى من خلال المعالجات المفترضة ؟ ، لان الخسائر بالارواح وبالاموال وباحوال المواطنين كانت جسيمة ، واذا ما تكررت ستجعل البصرة واهلها الكرام في محرقة دائمة ، ونعود ونكرر سؤالنا ، من هو المسؤول عن ذلك ؟، ان التمرد المسلح يكون عادة الوسيلة المركونة جانبا من الذي يبغي الوصول الى اهدافه السياسية او الاقتصادية المشروعة ، في ظل عملية سياسية تتيسر فيها السبل لنيل الحقوق ، كالتي ما زالت قائمة في الوضع السياسي العراقي الجديد ، وعلى هذا نضيف سؤالا ملحا تبلور على اثر الاحداث الاخيرة ، ومفاده : لماذا لجأ التيار الصدري الذي يمتلك رصيدا شعبيا واسعا بأمكانه انتزاع الحقوق او الفرص بالوسائل السياسية السلمية ؟ ، لاسيما وانه مشارك في العملية السياسية ، وكانت حظوظه فيها ملحوظة في البرلمان وفي الحكومة ، بل ومضاهية للاحزاب الحاكمة ، وان التيار يشكل ركنا مهما في كتلة الائتلاف الحاكم .
ان المتابعين السياسيين يميلون في تحليلاتهم الى ان التمرد المسلح والخروج على القانون يكون دافعه الاكثرخطورة ، هو غياب تطبيق القانون وضعف الاجراءات الامنية الحكومية ، وما حصل في البصرة مؤخرا هو ليس استثناءا ، انما كان مثيلا لما سبقه من خروج على القانون من قبل جهات ومليشيات مسلحة ، نشأت وتمادت وفرضت اجنداتها قسرا على المواطنين وبقوة السلاح ، ولم تأبه الاجهزة الامنية بما كان يجري من تجاوزات على الحريات العامة و الاستحواذ على دور الدولة في العديد من مفاصل حياة المجتمع ، ورغم كل ذلك تبقى اسباب اخرى غير معلنة ، ترتبط بالاجندات والاهداف الاقليمية والداخلية على حد سواء ، فمتى تقدم الحكومة على فتح الافاق امام هذه القوى والتي هي في الاغلب الاعم وطنية اصيلة وبالتالي يغدو ممكنا سحبها بعيدا عن التاثرات الاقليمية تحديدا ، وغلق المنافذ بوجه العصابات والمجرمين من التبرقع برداء هذا التيار او ذاك ، ولكن يبقى الامر الاكثر اهمية هو السلاح الواسع الانتشار ، ومما لاشك فيه انه العنصر الاساسي الباعث على تجاوز القانون ، لاسيما بغياب الاجراءات الامنية في الزمان والمكان المناسبين ، وعلى ذلك يعتبر الوضع المتأزم وعودة الاشتباكات ما زالت قائمة طالما السلاح باقيا في ايدي غير تابعة للدولة ، ولهذا تصنف الحالة الراهنة وان كان الهدوء قد سادها بانها هدنة مشوبة بالحذر وشديدة الخطورة ، ولايستبعد تكرار ماحصل وربما اصعب مما سبق ، لكون الهدنة بعد اية معركة تكرس عادة لتشخيص نقاط الضعف لدى الجانبين ومحاولة تلافيها استعدادا لجولات قادمة ، وهذا ما يفرض على الحكومة الاسراع في معالجة اسباب الازمة قبل الاستعداد لخوض معارك جديدة ، وفي المقدمة منها اصدار قوانين صارمة تحرم وتجرم من ينتمي الى مليشيات مسلحة مهما كانت واجهتها .