علي عرمش شوكت
الأربعاء 5/12/ 2007
الراصدجدلية العلاقة بين الاجماع الوطني والسيادة الكاملة
علي عرمش شوكت
طالعتنا صحيفة ( طريق الشعب ) الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بمقال افتتاحي وذلك بتاريخ 2 \ 12 \ 2007 ، وكان تحت عنوان – نحو اجماع وطني لاستعادة السيادة كاملة – وكانت الافتتاحية افراز نقي عن سياسة الحزب الشيوعي العراقي الوطنية الرصينة ، التي حافظت طيلة عمره المديد على نسق مستقيم ، ولانريد مواصلة توصيف سياسة الحزب بقدر ما نحاول لفت انتباه الجميع لمنطلقاته المبدأية وادراكه لجدلية العلاقة بين الاجماع الوطني والحفاظ على السيادة الوطنية ، ويمكن ان ينفعنا الاستشهاد بالتاريخ السياسي العراقي للتأكيد على هذه العلاقة ، والترابط الوثيق بين وحدة قوى الشعب الوطنية وبين تحقيق سيادة الوطن ، وهنا بوسع الجميع ان يقرأ صفحات التاريخ التي سجلها حول العوامل الاساسية ( لثورة العشرين ) المجيدة ، فيجد امامه سطورا كتبت بفخر وببسالة نادرة من قبل اجماعا وطنيا راقي المقام ، فهذا الاتحاد كان لم يحصل لولا ترابطه الوثيق مع الكفاح من اجل السيادة الوطنية .
وعندما نشير الى ثورة العشرين فأننا نؤكد على ما انجزه الاجماع الوطني الذي كان القاعدة الاساسية لتلك الثورة ، فكانت حصيلته النهائية اجبار الامبريالية البرطانية على الرضوخ لارادة الشعب العراقي والموافقة على تشكيل الدولة العراقية ، بالرغم من انها لم تكن كاملة السيادة ، وكان عدم الاكتمال هذا بفعل الخلل الذي حصل في الاجماع الوطني تحديدا ، ولسنا الان بصدد البحث في اخطاء تلك الحقبة الزمنية ، وعلى العموم كان انجازا عظيما حققه الاجماع الوطني آنذاك ، وخلال الفترة اللاحقة اي الفترة الزمنية الممتدة من ثورة 1920 العظيمة الى ثورة 1958 المجيدة ، كانت سياسة الاستعمار البريطاني المهيمن على الدولة العراقية وعملائها من الحكام ، تنصب بشكل اساسي على تمزيق وحدة القوى الوطنية ، وبمختلف السبل العرقية ( قمع ثورة الاكراد بقيادة الملا مصطفى البارزني )، والطائفية ( تمييز الشيعة وعزلهم عن الوظائف العالية في الدولة والجيش ) ومحاولات تشويه صورة القوى الوطنية والديمقراطية والقومية ( اعدام الضباط الوطنيين عام 1941 واعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي عام 1949 وغيرها من تطبيقات سياستهم المستندة على نظرية فرق تسد الاستعمارية .
ولكن ومع كل ذلك الاضطهاد والاستبداد فقد كانت القوى الوطنية مدركة تماما لتلك الالاعيب السياسية الاستعمارية ،ولم يلبث الاجماع الوطني حتى تحقق على خلفية مقدمات و نضالات واضرابات عمالية ومعارك وطنية عديدة ،كان تصدر قيادتها الحزب الشيوعي العراقي والقوى الوطنية الاخرى ، ومنها على سبيل الذكر: وثبة كانون عام 1948 وانتفاضة تشرين عام 1952 ومظاهرات عام 1956 للتضامن مع الشقيقة مصر ضد العدوان الثلاثي والاضرابات العمالية وغيرها ، فساعد على تشكيل حركة الضباط الاحرار وكذلك تمخض عن جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 ، والحصيلة كانت ثورة 14 تموز 1958 المجيدة ونيل السيادة الوطنية ، ولكن حينما تفكك التحالف المعبر عن الاجماع الوطني ، ضاعت الثورة ومعها فقدت السيادة ايضا ، وبعد عدة اعوام عجاف واحتراب داخلي عادت واقتربت القوى الاساسية في البلد ، وفي ظل ذلك التحالف استرجعت حقوق الشعب العراقي حيث انتزعت من براثن الشركات الاحتكارية الثروة النفطية العراقية ومالت سياسة البلد نحو المعسكر الاشتراكي واقيمت معاهدات صداقة معه ، غير ان ذلك التوجه لم يعمر طويلا ولم يصمد النظام الصدامي امام اغراءات الدول الغربية بجعله دركيا لها في الخليج ، فالغى ذلك التحالف وعلى اثر ما حصل من تفكك ضاعت السيادة ايضا حيث فتحت مغامرات صدام المتفرد المنفلت الابواب لاختراق البلد وسحق ثوابته الوطنية .
وعاد الاجماع الوطني ليلملم القوى الوطنية والديمقراطية والقومية والاسلامية المعارضة للنظام الدكتاتوري ، وفي ظله وبفعاليته تزعزع النظام مما سهل على قوات الاحتلال عملية اسقاطه بسهولة ،الا انه كان يفتقر الى البرنامج الوطني للتغيير وتشكيل البديل الوطني العراقي المستقل المعبر عن الوحدة الوطنية ، رغم ما طرحته بعض القوى الوطنية من مشاريع للتغيير وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي الذي عارض الاحتلال والحل العسكري وطرح مشروعه الوطني للتغيير ، وبذلك فقدت السيادة ومازالت تحسب مصادرة بفعل بقاء الاحتلال ، ومن هذه الاوضاع ينطلق المقال الافتتاحي لجريدة طريق الشعب بالدعوة الى الاجماع الوطني لكي تتمكن قوى شعبنا السياسية من الاستناد الى وحدتها الصلبة للتفاوض مع الدوائر المعنية لاستعادة السيادة الوطنية كاملة .