علي عرمش شوكت
الأحد 6/6/ 2010
مد العد التنازلي وجزر المهلة الدستوريةعلي عرمش شوكت
جزر في الزمن الباقي يبعث على الخشية من جنوح سفينة العملية السياسية ، وتمضي الايام وتتدافع الاحداث بمعدل سرعة يضاهي حركة ترتيب ملف تشكيل الحكومة ، وبعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات وتحديد الزمن الدستوري لعقد الجلسة الاولى للبرلمان العراقي الجديد ، والقيام بتكليف الكتلة الفائزة بتشكيل الحكومة ، يصبح هذا الزمن المتبقي كأنه الدقائق الاخير لطالب يؤدي امتحاناً في مادة صعبة ، حيث كلما مرت دقيقة كلما ضعفت قدرته على تقديم الاجابة المطلوبة ، حقاً ان اسئلة المواطنين تطرح ساخنة ، ولكن المعني بالاجابات حولها يبدو مسترخياً وفي حالة برودة تكاد تكون تحت الصفر .
الكرة الان في ملعب رئيس الجمهورية ، واي تأخير لدوران عجلة انتاج حكومة جديدة يعني قطعاً ( الى الوراء دور ) ، وتبدو الخمسة عشر يوما التي يمنحها الدستور للبدء بمراسيم (التشكيل الوزاري ) تمشي بعجالة وكأنها غير معنية بجدل الكتل المتدافعة حتى الاختناق ، والحقيقة ان ما منحه الدستور غير قابل للتأجيل ولا حتى للتعجيل على الفور ، فعلى المعنيين الا يغيب عن اذهانهم بان سير الزمن ليس له محطات للتوقف ، ولا معني بانتظار كائن من كان ، ووفقاً لهذه القاعدة الموضوعية واذا ما فات اوان تنفيذ المادة الدستورية 76 ، سيحصل وضع استثنائي تترتب عليه مسؤوليات سياسية وقانونية وتأريخية ، و حينها سوف لن ينفع ظهور دوائر هيئة المساءلة والمحكمة الاتحادية لتلقيا باللائمة على من تسبب فيما حصل وسيحصل من جراء التجاهل للاسس الدستورية من حيث زمان و مكان تنفيذها ، وهنا لا نتمنى ان تتحول هيئة المساءلة الى هيئة متساهلة مع الكبار فقط .
مر نصف الزمن المجاز دستورياً وبقي اسبوع وتنتهي المهلة المحددة ، ويفترض ان يكون قد نشطت فيه عملية التفاوض بين الكتل التي تدعي ،خلال الفترة التي سبقت التصديق على نتائج الانتخابات بأن كافة لقاءاتها ليست تفاوضية ، انما استطلاعية ! ، وكأن هذه الكتل في حالة حرب مما يقتضي الاستطلاع ، وان التفاوض لا يتم الا في هدنة ، واذا ما سلمنا بذلك فالهدنة الوهمية في تصور الساسة المتصارعين قد بدأت حينما تمت المصادقة التي صار عمرها اسبوعاً ، وبدأ ما تبقى منه في حالة جزر بفعل مد العد التنازلي ، مما يؤشر الى احتمال جنوح سفينة العملية السياسية عندما تنتهي الفترة الدستورية ، اذاً ماذا بعدها هل ستتكرر تجربة 2005 ؟ ، ام سيجري الالتفاف على قواعد العمل الديمقراطي والاسس الدستورية بافتتاح الجلسة البرلمانية الاولى ومن ثم جعلها مفتوحة الى ان تتم الصفقة الكاملة للرئاسات الثلاثة كما يلوح به ويتسرب من منافذ الغرف المغلقة ، بعيداً عن معرفة الشعب بما يجرى .
يبدو ان اصعب عقدة تواجه المتفاوضين هي انهم جميعاً لا يستوعبون العمل في المعارضة البرلمانية ، فمن له حتى مقعد واحد يطالب بوزارة وربما بوزارة سيادية !! ، وقد سمعنا ما بعد الانتخابات بكتل صغيرة نسبياً تطالب باحقية تشكيل الحكومة الجديدة ، وان بعضها يضع الخطوط الحمراء على هذا وذاك من الشخصيات المرشحة لهذا المنصب ، الذي غدا المحور الاساسي مما جعل كافة الكتل الفائزة تشدد من حبال تمسكها به ، وليست مجهولة الدوافع قطعاً ، فهي الصلاحيات المكثفة التي منحها الدستور العراقي لرئيس الوزراء ، وعليه حاول البعض من المتدافعين حول موقع المسؤولية هذا ان يسحب جزءاً من هذه الصلاحيات والحاقها برئيس الجمهورية ليشكل مخرجاً من الازمة الوزارية المستعصية .
يتوقع بعض المراقبين ان كل هذه المطاولة السياسية في الوضع العراقي ، تسعى اليها جهات داخلية وخارجية لابقاء المحاصصة الطائفية والاثنية وتكريسها وجعل البناء السياسي العراقي مهلهلاً ورخواً وغير قادر على النهوض وانتشال البلد من محته التي تعتاش عليها العديد من الدوائر السياسية الاقليمية والدولية ، فهل يشم في اقل تقدير عقلاء العراق رائحة هذه الطبخة التي تزكم الانوف .