علي عرمش شوكت
الثلاثاء 7/7/ 2009
وساطة بايدن بضاعة بائرةعلي عرمش شوكت
جاء ( جو بايدن ) هذه المرة وهو نائباً للرئيس الامريكي ، ومكلفاً للوساطة والمصالحة بين العراقيين ، فلا يعقل ذلك عندما لايغيب عن البال ان هذا المسؤول الامريكي هو صاحب مشروع تقسيم العراق الى ثلاث دويلات ، ولا احد يمكنه ان يتصور بان هذا الرجل قد عبر البحار متوجهاً الى العراق وهو يحمل غير افكاره السابقة المرفوضة تجاه هذا البلد ، اللاهم الا قد غيرته مسؤولية نيابة الرئيس الامريكي اوباما الذي جاء هو الاخر وفي حقيبته ملفات مختلفة ومخالفة لما كانت حقائب الرؤساء الامريكيين السابقين تتداولها من رئيس الى اخر دون تغيرات تذكر ، ولا نريد هنا ان نطلق القناعة بوجود متغيرات جذرية يعول عليها في السياسة الخارجية الامريكية ، انما هذا النزر القليل من التغير في منهج الرئيس اوباما لعله قد الزم بايدن بالاعتدال .
بات من السهل الوصول الى افكار هذا المبعوث الامريكي التي جاء بها حيث كان موقف الحكومة العراقية الرافض لوساطته قد اغنانا عن الكثير من الايضاح عما اراد ان يؤديه من دور وساطة غير مبرر او مطلوب بين الاطراف السياسية العراقية ، ولكن وزن الملفات الاخرى التي تم تناولها معه حالت دون رجوعه بخفي حنين ، ان هذا المسؤول الامريكي جاء وفي مخيلته ثمة تهالك على وساطة واشنطن في الامور الداخلية العراقية ، منطلقاً كما يبدو من اللهث المتواصل على الدور الامريكي في اغلب المعضلات السياسية التي تعاني منها دول المنطقة وبخاصة القضية الفلسطينية ، وربما لا تنعدم الفائدة من الوساطة الامريكية بين دول مختلفة بحكم انفرادها بالقطبية الدولية بعد ان غاب الاتحاد السوفيتي عن الوجود للاسف الشديد ، ولكن الامر غير ذلك تماماً اذا ما كانت الوساطة بين ابناء شعب واحد ، اذ انه يحسب معيباً ، لكونه يكشف عن عدم القدرة على الحوار والتفاهم وحل الخلافات على قاعدة اولوية المصالح الوطنية الكبرى .
لقد اراد السيد بايدن ان يعود الى البيت الابيض وهو محافظ على ماء وجهه ، وذلك بقوله ان احد الاربعة المسؤولين الكبار في الدولة العراقية الذين التقاهم قد قال له ( ان العارقيين يأملون ببقاء العراق في صدر اهتمامات الولايات المتحدة الامريكية التي رمت بثقلها وثقل حلفائها الاوربيين في ميدان مطاردة القاعدة وطلبان في باكستان وافغانستان ، حيث اشد حلقات الصراع مع الارهاب العالمي ) ، واذا ما عنى هذا القول شيئاً فاول ما يعنيه هو التنويه بان الدور الامريكي مازال يشكل حاجة ماسة لدى العراقيين ولا يستغنون عنه كملاذ من تداعيات انسحاب القوات المحتلة من بلادهم ، حسب اعتقاده طبعاً ، واذا مارفض في ما يتعلق باصلاح ذات البين فانه مطلوب في مجالات عديدة اخرى يأتي في مقدمها المجال الامني .
ولابد من العودة بالقول ان دور الولايات المتحدة الامريكية في بلد مثل العراق الذي يعتمل فيه حراك على مختلف الصعد لاعادة بناء دولته التي حطم مؤسساتها الاحتلال الامريكي مطلوب دون مواربة ، ولكن شريطة ان يكون خارج نطاق السيادة الوطنية واخواتها من الخصوصيات العراقية ، هذه الامور التي لايدرك مكنوناتها ويحل الغازها وينقي سواقيها مما علق بها الا العراقيون وحدهم ، وفي تاريخ العراق السياسي العديد من الامثلة في هذا الصدد ، حيث وصل الصراع السياسي في مراحل ماضية الى حد كسر العظم بين القوى والاحزاب العراقية ، الا ان ذلك لم يحل دون الالتقاء والاصطفاف من جديد في سبيل مصالح الشعب والوطن ، ومن الجدير ذكره هنا ان الذي لم يكن وفياً لامانة الوفاق الوطني وسعة سماحة الآخر هوالذي ولى الى مزبلة التاريخ .
فقد خبر شعبنا وقواه الديمقراطية والوطنية الوساطات الخارجية في الشأن العراقي الداخلي ، وها نحن ما نزال نعاني الامرين ، وما تأجج حمى الخلافات في اوساط النخبة الحاكمة و البحث عن قسام شرعي لتوزيع اجزاء العراق الا بفعل تلك الوساطات والمفاهيم التي جلبها برمير وهضمها وشبع بها المنتفعون ، كالتقسيم الطائفي والعرقي والمحاصصة المدمرة التي ادت الى حرب بسوس حول مواقع المال والنفوذ ، فهل جاء السيد بايدن هذه المرة لينعش افكار سلفه بريمر بعد ان استهجنها شعبنا الذي تم التعبير عن ارادته بكل جلاء ازاءها من قبل السيد رئيس الوزراء نوري المالكي وذلك برفضه الفوري لاية وساطة خارجية بين ابناء هذا الوطن ، وبمعنى من المعان هو ادراك عميق لمخاطر ترك زمام امورنا بيد الغير ، لعلنا نتجنب محاصصة من طراز جديد .
اما معادلة المصالحة الوطنية فلا يجهلها عاقل ، فهي التنازل المتبادل بين الاطراف المختلفة على قاعدة المصالح والثوابت الوطنية العراقية ، التي تتمثل بالحفاظ على الديمقراطية وتنقيتها من التشويه الذي لحق بها ، و سيادة القانون والعدالة الاجتماعية ، وعدم السماح باية صورة لارجاع عجلة التاريخ الى الوراء .