علي عرمش شوكت
الخميس 7/8/ 2008
الراصداصلحوا الدستور تٌصلح الامور
علي عرمش شوكت
لا يختلف منصفان على ان الدستور قد جاء في ظروف استثنائية و مضطربة جداً ، وما من شك ان بلداً مثل العراق الذي يعرف بتعدد اعراقه واتجاهات شعبه الفكرية والسياسية لايمكن ان يضع له دستورأً مرضيأً للجميع في مثل هذه الظروف ، وهنا تجدرالاشارة الى خمسة وخمسين مادة فيه قد جاءت لتنظم بقانون ، والتي لايمكن لها هي الاخرى ان تتم الا بالتوافق ، ذلك الذي بات يباع بالمثاقيل اي بمعيار الذهب ! ، وبمعنى من المعان انه لايحصل التوافق من اجل المصلحة الوطنية بيسر في الاغلب ، وانما يكون جاهزاً اذا ما حقق مصلحة سياسية حزبية او فئوية ضيقة لبعض الاطراف السياسية ، وقد تبين للجميع ان تعاملاً مزدوجاً جرى مع مواد الدستور ، البعض منها تمهدت لها كافة السبل لتطبيقها ، وبخاصة تلك التي تحقق مزيداً من السلطة والنفوذ لبعض الكيانات ، مما جعلها ترتدي حُلة غريبة عن طبعها الوطني الدستوري ، اما بعض المواد الاخرى فقد تركت على الرفوف العالية للحد الذي ابهت لونها من تراكم غبار النسيان وترك عليها الزمن شيئاً من ركامه ، و الاخرى ظلت كالفريسة التي وقعت بين انياب مفترسات شرسة كل واحدة منها تحاول التهام اكبر قدر منها وعلى عجالة فائقة تحسباً من تقلبات الظروف .
ومن ابرز دلالات ذلك هي المادة 140 الخاصة بوضع مدينة كركوك حيث ظلت في مهب التجاذبات ، الامر الذي جعلها ترتصف خارج سياقها التاريخي وبالتالي ليقال عنها قد انتهى مفعولها ، وهي ما زالت مادة دستورية !! ، دون النظر الى ما يكمن داخلها من متفجرات قومية وحقوقية ستلقي بحممها لو لم يتم التعامل معها بحكمة وترو ، ويزيدنا دلالة وتأكيداً على ما نشير له هو ما حصل داخل مجلس النواب العراقي في يوم الثاني والعشرين من شهر تموز الماضي ، اذ ان ضعف البصيرة تجاه تلك المادة الدستورية والتي عطلها الاهمال وعدم المسؤولية مما اصابها بمقتل ، ذلك الذي تجلى بالعجز عن التقدم باي خطوة لتطبيقها او لتعديالها لكي تكسب قابلية القبول من كافة المعنيين بها ، وحينما جرى الاقتراب منها وهي على حالها هذه نرى سرعان ما ساعدت الحساسية العالية التي تكتنفها على فتح ابواب جديدة للازمة في البلد ، بل ووصلت مناسيب التصعيد الى حد يهدد باغراق العملية السياسية برمتها ، ما يعني دون لبس ان الاغلب من مواد الدستور ظلت تشكل غصة خانقة لمسيرة العراق الجديد ، لكونها قد وضعت في الدستور على عواهنها دون الاكتراث بعدم خصوبة تربتها الوطنية العراقية .
في الايام القليلة الماضية وعلى اثر تداعيات ازمة قانون انتخاب مجالس المحافظات ، سمعنا من لدن رئيس الوزراء قولاً يدلل على ضجر في اقل تقدير من بعض مواد الدستور وتحديدا فيما يتعلق بالفدراليات ، حيث اشار الى امر غاية في الاهمية بقوله ( ان الدولة الاتحادية ينبغي ان تكون اقوى من الفدراليات وليس العكس ) ، وهذا ما يتباين مع منطوق المادة 118 ثانياً الذي ينص على ترجيح راي حكومة الاقليم اي بمعنى ان سلطة الفدرالية هي الاقوى !! ، ان ذلك ما يدعو حقاً الى ضرورة اصلاح الدستور وفك اسره من القيود التي وضعت لغايات معروفة ومريبة ، كما ان تطور العملية السياسية اذا ما اريد لها التقدم وتجاوز الازمة التي انتهت في الاونة الاخيرة خطورة حالتها الامنية بجهد مخلص يحسب لاصحابه ، يفرض الواجب الوطني والحرص على مصالح الشعب العراقي تجميع كافة الجهود الخيرة ( بصولة ) مخلصة لازالة البراكين الكامنة في باطن الدستور.
ومن قراءة متأنية لمسيرة العراق الديمقراطي الجديد يتبن بجلاء ان كافة العُقد والازمات التي مرت والتي كاد بعضها ان يعيد الامور الى حالة صفرية ، كان منطلقها ومردها للتفسيرات الخاطئة لبعض مواد الدستور ، التي جاءت في الغالب وهي حمالة اوجه ، من المؤسف حقا ان يلجأ البعض الى تبرير ذلك بانه قد شرع من قبل احد عشر مليون ناخب عراقي قد صوتوا عليه باستفتاء قد اجري لهذا الغرض ، وعليه يتجاهلون ما يصيب الاخرين من اضرار جراء الضعف او الخطأ الحقوقي والقانوني الذي يلازم العديد من مواد الدستور، وعليه لابد من ان يلقى الذنب المترتب على هذا التجهيل بالدستور لاوساط واسعة من الناس على عاتق بعض القوى التي تروج له وتسعى اليه لغايات ومصالح خاصة ، وفي الوقت الذي سيقطع فيه الطريق على الذين يستغلون الدستور لمصالح بعيدة عن غاية الدستور وغاية المواطن العراقي الحقيقية ، سيتحول الدستور الى ان يكون الحارس الامين على حقوق العراق والعراقيين في آن معاً .