| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الجمعة 7 / 8 / 2015 علي عرمش شوكت كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
اطفاء "جدحة" الكهرباء اشعلت "جدحة" الشارع .. ولكن
علي عرمش شوكت
الثورة او الانتفاضة الجماهيرية لها قواعدها ان لم تكن قوانين تحكم خطاها، وتسدد افق مسارها، لغاية ضمان تحقيق اهدافها القريبة والبعيدة. واذا ما افتقدت لتلك القواعد ستنتهي كما انتهت بالامس القريب انتفاضات ما سمي بـ "الربيع العربي"، لكونها كانت تتسم بالعفوية، وكان انفجارها بفعل تراكم الغضب وشدة المعاناة، التي تجاوزت نطاق التحمل، وعليه سرعان ما غدت صيداً دسماً لذئاب السياسة المتربصين لغياب الراعي وغفلة الناطور. غالباً ما غدونا نسمع وصفاً لمظاهرات الشارع العراقي اليوم، مفاده بانها ليست لها "رأس" اي لا يوجد من يخطط لها او يقودها، هذا وناهيك عن ظهور البعض على شاشات التلفزة ليقول بانها ليست سياسية، بل مطلبية مجردة!!. غافلاً حقيقة لا يصح تجاهلها، الا وهي ان اي مسعاً لتحقيق مطلب لحاجة انسانية هو كبد السياسة اذا لم يكن قلبها. لان السياسة وكما هو معروف، تعبير عن الحاجات الحياتية وبخاصة الاقتصادية المعيشية تحديداً.
صحيح ان اطفاء "جدحة " الكهرباء اشعلت "جدحة " الشارع، غير ان المحذور منه ان تترك هذه الانتفاضة عرضة للتمادي بالادعاء في احقية ركوب هودج ركبها الواعد. كونها جاءت زاخرة بشروط قيامها، و ضخامة دوافعها التي على قدر كبيرمن فعل التغيير. ومن نافلة القول ان ابرز سماتها، امتلاكها لضمير جمعي عارم، لم يكن متوقعاً في المنظور القريب. وعليه اخذ المتربصون لاختطاف الانتفاضة بسلوك التلوّن والانخراط في التظاهرات، لكي يحرفونها عن مسارها. هذا السلوك هو الوحيد المتاح امامهم بغية كسر موجة الغضب الشعبي العارم، والافلات من الحساب والعقاب. ان كل ما اشير اليه قد برزت ملامحه متجلية بالتصريحات واعلان النوايا من قبل رموز الفساد والطائفية والفشل الذين خطفوا العملية السياسية وحولوها الى منظومة لصوصية مافيوية دمرت البلد.
والجدير ذكره، ان اغلب الانتفاضات في سفر الحركة الوطنية العراقية قد تعمدت بدماء طلائعها ومفجريها وقادتها، وعلى سبيل الذكر، ففي حركة احتجاجات ضد معاهدة " 1930 " بين العراق وبريطانيا عام 1946 استشهد المناضل " شوئيل طويق" وهو احد اعضاء الحزب الشيوعي العراقي، خلال مظاهرة امام السفارة البريطانية في منطقة الكريمات في بغداد، وابان وثبة كانون عام 1948 استشهد المناضلان " جعفر الجواهري وشمران علوان" وهما عضوان في الحزب الشيوعي العراقي ايضاً. و كذلك في انتفاضة تشرين عام 1952 سقط شهداء كذلك. وفي المظاهرات المساندة للشقيقة مصر ضد العدوان الثلاثي عام 1956 استشهد المناضل " عواد رضا الصفار" وهو احد اعضاء الحزب الشيوعي العراقي، كما لا ننسى "انتفاضة مدينة الحي" ضد الاقطاع من " آل ياسين" اعدم النظام الملكي عام 1956، قادة الانتفاضة، كل من " عطا الدباس، وعلي الشيخ حمود، وعبد الرضا هويش" وجميعهم اعضاء في الحزب الشيوعي العراقي. ولا بد من ان نذكر ايضاً شهداء اضراب عمال النفط في "كاور باغي" في كركوك وهم من اعضاء واصدقاء الحزب الشيوعي العراقي. والحبل ظل على الجرار.
ان مظاهرات جماهير شعبنا المنتفضة على الفساد والخراب من جراء حكم احزاب الاسلام السياسي،ومن لف لفها، من غير المعقول ان تبقى بدون تأطير وضوابط تقوّم اداءها، لان القوى المتنفذ في السلطة سوف لن تتركها دون ان تحاول احتوائها، او حرفها وافشالها، طالما لم تتحصن من اللالتفاف او الاندساس. كما ان انجازاتها سوف تكون حبراً على ورق اذا لم تقبض على زمام تنفيذها ايادي مدنية مؤمنة بالتغيير، ومدركة لاستراتيج هذه الانتفاضة. فكيف سيتم تشكيل حكومة تكنوقراط مثلاً، وهو احد المطالب الرئيسية، فمن الذي سيشكلها ومن الذي سيختار شخوصها ؟، هل القوى الحاكمة ام قوى الانتفاضة ؟. واذا ما كانت قوى الانتفاضة غير مهيكلة بقيادة وتوابعها، وتدرك خطواتها في هذا الامر، فسوف لن تحظى بنصيب حتى في ابداء رأيها في ذلك التشكيل، وسيؤول الامر بحكم واقع الحال الى القوى الحاكمة، وبالتالي سنعود الى المربع الاول. هذا مجرد مثل لا غير، لان قوى التظاهر لا احد منهم سيمنح لنفسه الحق بتمثيل الجموع المتظاهرة، اذا لم يتفق مسبقاً مع اطراف القوى المدنية الاخرى. ومن جانب اخرنفترض ان الحكام قد ادركوا المخاطر التي ستلفهم واضطروا للاستجابة ، فمع من سيتفاوضون عند خلو الساحة المنتفضة من قيادة نابعة من وسط الجماهير وقواها المناضلة ..؟