علي عرمش شوكت
بانوراما المشهد السياسي العراقي ... اخر طبعة
علي عرمش شوكت
كان الساسة العراقيون الحاليون قد تعرضوا من قبل البعض، في بداية حكمهم 2003 ، الى " الحسد" والكيد، وغير ذلك من ردود الفعل على الفرص الذهبية التي لم يكن بمقدورهم حتى الحلم بها. والتي جاءتهم مقابل ثمن كبير لم يدفعوه !!، انما قدمه الشهداء والمناضلون الذين آلوا على انفسهم ان يواصلوا النضال القاسي في مواجهة مباشرة مع اشرس نظام دكتاتوري عرفته البشرية، ولهذا حصلت المفارقة، فمن دفع الثمن قبضت عليه آلة الموت، ومن فر بجلده ولم يقوى على المواجهة، قبض الثمن.
من هنا جاء الحسد والتهكم بل والسخرية، حيث انكفأ قابضوا الثمن في اول متطلبات لمستلزمات ادارة الحكم وتحقيق طموحات الشعب العراقي لكونهم لا يفقهون بالسياسة شيئاً، انما تورطوا كما يبدو وانتموا الى الاحزاب المناضلة، وتبعاً لذلك لا يفهمون من ادارة السلطة، سوى التسلط وتوسيع النفوذ ونهب المال العام. وكنتيجة منطقية رافقتهم حالة الاستعصاء وتلبستهم الازمات في كافة مواقهم، فانقلبت الامور الى غير" محسودين "على ما آلوا اليه.
وتجلى هذا بالامس، في اخر اجتماع لهم، اذ كأن شيئاً لم يكن، علماً ان نتيجته الفاشلة قد سبقته ليتداولها الشارع. وكانت غابت عن بالهم امور الناس المستعصية هي الاخرى، ولكن ما لم يكن بمقدورهم تجاوزه هو، ما جاء من اجله " بانيتا " وزير الدفاع الامريكي. وبفصيح العبارة، ان بقاء القوات الامريكية بعد نهاية عام 2011، ليس هو الذي يحظى بالالوية لدى الزائر الامريكي، لكون هذا الامر محسوماً ولا مناص منه، اذ بمقدورهذه القوات ان تتواجد على الحدود في احدى بلدان الجوار، وتؤدي دورها وقت اللزوم في داخل العراق. ولكن الاكثر الحاحاً هي الحصانة القانونية للقوات المتبقية، والتي لا يمكن من دونها ان تقتنع الادارة الامريكية ببقاء قواتها "مجردة " في العراق، هذا البلد الذي تعددت فيه مراكز القوى المرهونة الى اجندات اجنبية، وغابت على اثرها معالم الدولة. مما يعرض قواتهم الى اشد المخاطر ومزيد من الخسائر.
ان ببقاء قوات الاحتلال الامريكي في العراق سوف يستوى الصرع بين الكتل المتنفذة شبيهاً بحرب باردة، وان في اوج معمعانه لن يتمكن احد اطرافه من حسمه لصالحه، رغم التهديدات التي تخرج من هذه الكتلة او تلك، وهنا لابد من ايضاح، بان عجز الكتل السياسية المتنفذة عن القيام بالانسحاب من الحكومة، اوسحب الثقة عنها، ينبعث من خشية جميع الاطراف لفقدان امتيازاتها الضخمة، التي استحوذت عليها كحصة من كعكة السلطة. والجدير ذكره، ان الاغلبية من نواب ووزراء اي كتلة من الكتل الحاكمة لم ينتخبها الشعب، انما عينها رؤساء القوائم، مما جعلها تستميت في سبيل البقاء في هذه المناصب وتتمتع بالامتيازات خارقة للمعتاد، وربما ستتمرد حينما يطلب منها الانسحاب كما جرى لبعض القوائم سابقاً. واتكاءً على ذلك لم يهتز رئيس الوزراء السيد نوري المالكي من التهديدات بسحب الثقة عن حكومته.
ومهما اشير الى ان نوري المالكي غداً مستفرداً بالقرار،ومتنصلاً عن التزاماته بالاتفاقيات بين الاطراف الحاكمة وفي المقدمة منها اتفايقة اربيل، ومهما اثيرت قضايا الفساد والفشل في معالجة اوضاع الشعب المعاشية والامنية، فكل تلك لاتحرك شيئاً في نمط مسار ادارة الحكم، وحقيقة لابد من ذكرها ، وهي عدم اكتراث المالكي لمن يتأبط له ملفات فساد وفشل تدينه، ففي جعبته مثلها او تزيد عليها تدين خصومه. اذ ان الفساد يشمل الجميع والفشل لا يتبرأ منه احد من المشاركين في الحكومة. وعليه لا يلوح في الافق ما يدعو الى حتى التأمل بوقف هذا التداول في ازمة الحكم المتدحرجة الى بؤرة الغام ستتفجر وتحول العملية السياسية الى عصف لا يخلف الا الركام.
اما الطبعة الاخيرة لـ " بنواراما " المشهد السياسي العراقي فهي: ناطقة هذه المرة، بل صارخة بالتصريحات التي تنطوي على التهديدات المبطنة، حيث راحت اطراف كردية مهمة تبشر بحلول اوان اعلان الدولة الكردية !!، وعلى هدير هذا الاعلان الساخن، يتخلى اياد علاوي رئيس القائمة العراقية عن اهم مطاليبه وهو مجلس السياسات الاستراتيجية، الذي طالما جرى الصراع حول تشكيله بنمط تناحري شديد، بين كتلة دولة القانون، والكتلة العراقية، ان صدى هذا الايقاع الذي ادوش مسامع رئيس الوزراء كما يبدو، مما دعاه الى العزف على وتر وحدة البلاد، وكأنه يرد على كل الاطراف بآن واحد. بمعنى من المعان، لا للتقسيم البلاد الى دولتين، ولا توجد حصص في سلطة اتخاذ القرار، و لسان حاله يقول ايضاً، ان احوال البلاد والعباد المتردية لاتعنيه، وهو باقي قابضاً على امور الحكم ومن لا يرتضي ذلك عليه ان يحرث في البحر.